أسدلت محكمة الاستئناف بالرباط، مساء أمس الخميس 8 ماي الجاري، الستار عن محاكمة هشام جيراندو في مرحلتها الابتدائية، حيث قضت في حقه حكما غيابيا بخمس عشر سنة سجنا نافذا بعد مؤاخذته بتهم “تكوين اتفاق إرهابي لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والتهديد والترهيب، والتحريض وإقناع الغير على ارتكاب أعمال إرهابية”.
وقد انطلقت هذه القضية منذ ماي من سنة 2023 بعدما تقدم القاضي والوكيل العام السابق نجيم بنسامي بشكايتين في مواجهة هشام جيراندو، الأولى أمام القضاء المغربي يتهمه فيها بالتحريض ضده وتهديده بالقتل في إطار مشروع إرهابي، والثانية أمام القضاء الكندي من أجل جبر الضرر والتحريض والتهديد بالقتل والإعدام خارج القانون، وذلك على خلفية التسجيلات والأشرطة التي كان قد نشرها المشتكى به في حساباته الشخصية الموجهة للعموم في الوسائط المفتوحة والشبكات الاجتماعية.
تحريض ومخطط إرهابي
اعتبرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف المكلفة بقضايا الإرهاب بأن تصريحات هشام جيراندو ضد القاضي السابق نجيم بنسامي تشكل عناصر تكوينية مادية ومعنوية لجريمة تكوين اتفاق لإعداد وارتكاب فعل من أفعال الإرهاب والتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، خاصة في قوله “وجب أن يتم قتل نجيم بنسامي عدة مرات وليس مرة واحدة”.
ففي أحد التسجيلات الذي استمعت له المحكمة، طالب هشام جيراندو في رسالة مفتوحة وموجهة للعموم بضرورة “إعدام نجيم بنسامي، ثم إحيائه، ثم إعدامه مرة أخرى”، في دعوة صريحة للقتل والتمثيل بجثثه.
لكن التصريحات التي عقّدت الوضع القانوني لهشام جيراندو، وجعلته يقع تحت طائلة قانون الإرهاب هي عندما أصدر هذا التحريض العلني بواسطة الأنظمة المعلوماتية في سياق حديثه عن الهجمات والمخططات الإرهابية. فقد اتهم هشام جيراندو بشكل صريح “القاضي السابق نجيم بنسامي بأنه هو الذي كان مكلفا بالتحقيق في أحداث 16 ماي الإرهابية”، كما ادعى بشكل ممنهج “بأنه كان مسؤولا عن الزج بالإرهابيين بالسجن”!
والمثير في هذه التصريحات التحريضية أن هشام جيراندو استعمل أسلوب الإحالة على تكتيكات الإرهاب الفردي الذي تستخدمه التنظيمات الإرهابية، خصوصا عندما طالب “المتشبعين بالفكر التكفيري بوجوب وضرورة قتل القاضي السابق نجيم بنسامي بشكل فعلي وعدة مرات عن طريق التنكيل والتمثيل بالجثث”.
ولم يكتف هشام جيراندو فقط بالتحريض الإرهابي ضد نجيم بنسامي، بل تعمد نشر الصور الشخصية لهذا الأخير واستعراض المعطيات التشخيصية والمهنية للعديد من أبنائه، لتسهيل التعرف عليهم وتحديد مكانهم من طرف التنظيمات الإرهابية، وهو ما اعتبرته المحكمة “دعوة صريحة واتفاق لغرض ارتكاب عمل إرهابي يستهدف الأشخاص والممتلكات”.
تهديدات إرهابية
كشفت مصادر متطابقة أن دفاع قاضي التحقيق والوكيل العام السابق نجيم بنسامي أدلى للمحكمة بالعديد من التهديدات بالقتل والتصفية الجسدية، التي توصل بها في أعقاب التحريض الذي أصدره ضده هشام جيراندو في تسجيلاته المنشورة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد ذهبت هذه التهديدات، وفق ذات المصادر، إلى “التربص بنجيم بنسامي واستهدافه في حياته الشخصية”، بل إن بعض هذه التهديدات جاءت مذيلة بتوقيع “تنظيمات وفروع إرهابية”، بدعوى أن “هذا الأخير كان مسؤولا عن التحقيق في قضايا الإرهاب والتطرف”.
وقد تضمنت واحدة من رسائل التهديد التي توصل بها القاضي المشتكي بمنزله بالمغرب، عبارات تهديدية خطيرة تصدح بالقصد الإرهابي، حيث ورد فيها “يستحق أن يُدفن حياً” و “يُقطع رأسه وجميع أفراد أسرته”، في إشارة إلى الضحية الوكيل العام السابق نجيم بنسامي.
وقد اعتبرت المحكمة بأن “العلاقة السببية قائمة بين تحريضات هشام جيراندو والمخططات الإرهابية الصريحة والمباشرة التي تم إطلاقها ضد نجيم بنسامي”، خاصة وأنها جاءت في سياق زمني مباشر ومترابط مع التحريضات العلنية التي كان قد أطلقها المتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وشددت مصادر قريبة من هذا الملف بأن دفاع المشتكي كان قد التمس وقتها من النيابة العامة المكلفة بقضايا الإرهاب بضرورة تفعيل إجراءات حماية الشهود والمبلغين والضحايا، لاسيما تدابير الحماية الجسدية، خاصة مع تواتر رسائل التهديد والتحريض على القتل التي توصل بها الوكيل العام السابق نجيم بنسامي من جهات تنهل من خلفية إرهابية.
يذكر أن هذا الحكم القضائي أثار تفاعلا كبيرا لدى المهتمين بتطورات ومستجدات هذه القضية، حيث اعتبره البعض “رسالة واضحة مفادها أن القضاء يحمي مؤسساته ورجاله من أي محاولة تهديد أو ترهيب “، بينما ذهب البعض الآخر إلى اعتبار ما قام به هشام جيراندو هو ترجمة فعلية وتجسيد واقعي لما يسمى ب”جهاد الكلمة واللسان”، الذي أطلقه تنظيم داعش في السنوات الأخيرة، والذي يراهن على التخويف والترهيب وتوسيع الدعاية الجهادية وتدويلها على الصعيد العالمي.
حري بالتوضيح كذلك، أن الدعوى الثانية التي سجلها نجيم بنسامي في مواجهة هشام جيراندو أمام القضاء الكندي لازالت قيد المتابعة والتقاضي، خاصة وأن المحكمة الكندية كانت قد ألزمت مؤخرا المتهم بحذف مقاطع فيديو مسيئة في قضية سابقة، ما يعزز فرضية صدور حكم قضائي مماثل لصالح القاضي بنسامي من طرف العدالة الكندية.