لم تتأخر ارتدادات الضربات التي وجهها “حزب الله” اللبناني في إطار “رده الأولي” ضد منشآت عسكرية وسط إسرائيل في الوصول إلى أسعار النفط ومشتقاته، التي قفزت لتُعاود ملامسة نطاقات مرتفعة نسبيا في حدود الـ80 دولارا للبرميل، مع انطلاق تداولات الأسبوع الجاري.
وكشفت التعاملات الآسيوية، الاثنين، عن مخاوف متجددة منذ أسابيع من أن يؤدي تصعيد الوضع في الشرق الأوسط إلى “تعطيل إمدادات النفط الإقليمية”؛ في حين عززت تخفيضات أسعار الفائدة الأمريكية الوشيكة التوقعاتِ الاقتصادية العالمية والطلب على الوقود.
صعدت العقود الآجلة لخام برنت 37 سنتا (0.5 في المائة) إلى 79.39 دولارا للبرميل؛ بينما ارتفعت العقود الآجلة للخام الأمريكي 36 سنتا (0.5 في المائة) إلى 75.19 دولارا للبرميل.
ومنذ نهاية الأسبوع المنقضي، سجل متابعو ومحللو الأسواق “زيادة” في أسعار النفط الخام، بصنفيه سالفي الذكر، “بأكثر من 2 في المائة”، بعد دعم جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)، “البدء القريب في دورة خفض أسعار الفائدة”.
تطورات جيوسياسية
بينما تتجه نيران الحرب المستمرة على جبهات متعددة بالشرق الأوسط، إثر العملية العسكرية للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، إلى إكمال عامها الأول، أعلنت السلطات الممسكة بزمام الحكم في شرق ليبيا، الاثنين، “إيقاف إنتاج النفط وتصديره حتى إشعار آخر”، احتجاجا على قيام سلطات طرابلس بالسيطرة على مقر المصرف الليبي المركزي وإعفاء محافظه.
وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن “الحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب (مقرها بنغازي شرق البلاد) قررت، في بيان صحافي، “إعلان حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والموانئ النفطية، وإيقاف إنتاج وتصدير النفط حتى إشعار آخر”، وفق تعبيرها.
ومع تزاحُم التطورات الجيوسياسية بالمنطقة على خلفية مملوءة بتجدد واستمرار التصعيد، مع استحضار “الرد الإيراني المنتظَر”، تختلف اتجاهات سوق النفط المتوقعة أن ترتفع أسعارها، باستمرارها متأثرة أساسا بعوامل “حجم الطلب المتوقع، ثم “الرفع المنتظَر للفائدة” من طرف الفيدرالي الأمريكي يوم 18 شتنبر المقبل، فضلا عن “احتمالات انتعاش الاقتصاد الصيني”.
في غضون استمرار تقلبات الأسعار، أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية لجوءها إلى “شراء ما يقرب من 2.5 ملايين برميل من النفط للمساعدة في إعادة ملء الاحتياطي البترولي الاستراتيجي”.
ارتفاع محدود”
تفاعلا مع التطورات الأخيرة، أكد عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي مغربي خبير دولي في شؤون الطاقة، أن “الإعلان الأخير عن غلق حقول النفط في ليبيا، باعتبارها قريبة من المغرب، أدى إلى قفزة لأسعار ‘خام برنت’ إلى أكثر من 2 في المائة على المستوى العالمي، عازيا جزءا كبيرا من دينامية هذا الارتفاع بعد انخفاض طيلة الأسبوع الماضي إلى ما تُسببه التوترات العسكرية والجيوسياسية التي يعرفها الشرق الأوسط بحُكم أن نسبة مهمة من التجارة العالمية للمشتقات النفطية تمر وتأتي من هذه الدول وتمر إلى الأمريكيتين وكذا إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
وأشار ملاوي، في إفادات تحليلية لتشاش تفي، إلى أن “دول الشرق الأوسط لوحدها تحتوي تقريبا على خمسين في المائة من الاحتياطيات العالمية من النفط ومن الغاز”؛ ما يعني أن التوتر الجيوسياسي بالمنطقة عامل حاسم، خصوصا أن “الشرق الأوسط لوحده إلى جانب الأمريكيتين يزودان العالم بحوالي الثلثيْن من المصادر الطاقية والغازية التي يحتاجها الاقتصاد العالمي”، وفقه.
هذا كله يدفع، حسب الخبير الطاقي المغربي، إلى “التوقعات بأن التداعيات على المستوى العالمي، خاصة على المدى القريب المنظور، ستكون متذبذبة ومحدودة إلى شيء ما؛ لأنه من المعلوم وجود مخزون استراتيجي من النفط لكل الدول، إلى حين أن تتضح الرؤية.. وبالتالي، فالتأثير لن يكون كبيرا جدا في الأسعار بالنسبة لمنتجات النفط؛ بل سيكون مجرد ارتفاع محدود”.
وتابع بالشرح: “على المستوى المتوسط أو البعيد، إذا استمرت هذه التوترات ستكون لها -بطبيعة الحال– تداعيات مهمة وواضحة على أسعار النفط على المستوى العالمي وكذلك على أسعار الغاز في السياقات الدولية”.
“تنويع وإدماج الطاقات البديلة”
وطنيا، لفت ملاوي متحدثا للجريدة إلى أن “مدة الاحتياط الاستراتيجي للمنتجات الطاقية بالمملكة تتراوح بين شهر واحد وشهرين”، مُقدرا أن “التداعيات للتقلبات الدولية لن تكون كبيرة جدا لسببَيْن رئيسيين”.
وفصل بالقول: “السبب الأول هو أن المغرب كان قد سطّر من بين ركائزه الاستراتيجية مبدأ تنويع مصادر التوريد؛ فهو يعتمد على السوق الدولية، ويعتمد على دول تورد إليه النفط دون الحاجة إلى المرور عبر الدول التي فيها توترات فهو أحيانا يستورد الغاز والنفط من دول أخرى (أمريكا) أو بعض الدول الإفريقية كنيجيريا وغيرها؛ وبالتالي أتوقع أن التأثير سوف يكون محدودا في هذا الباب”.
وحسب ملاوي، فالنقطة الثانية التي تحد من التأثير بالنسبة للمغرب هي “استراتيجية الطاقة المتجددة التي تروم إدماج الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي الوطني وله أرقام واضحة فضلا عن إنجازات ومجموعة أرقام ومؤشرات دالة على تقدمه في هذا الورش الطاقي البديل”، خالصا إلى أن “التأثير على المستوى القريب لن يعدو أن يكون مجرد ارتفاع طفيف؛ ولكن ليس بالأثر الكبير الذي يمكن أن يخلق مشاكل للاقتصاد الوطني”، وفق تعبيره.
“بدون مفعول كبير”
من جهته، قال أمين بنونة، الأستاذ السابق لعلوم الطاقة بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن “سيناريو ما جرى في سنة 2022 من ارتفاع صاروخي لأسعار الطاقة من الغاز والنفط يبقى مستبعدا في الوقت الحالي”، واصفا بأنه “لا مفعول يُذكر للتقلبات العالمية المرهونة بالتطورات الجيوسياسية أثبتت أنه حتى بعد استمرار حرب غزة وتداعياته الإقليمية للصراعات في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر لحواليْ سنة كاملة”.
وجدد الخبير الطاقي المغربي، ضمن تصريح لتشاش تفي، تأكيد سيناريو “عدم تضرر أسعار النفط العالمية من حرب غزة وتداعيات اتساعها”، مبرزا أن “تتبع مسار ومنحنى الأسعار يُثبت انخفاضها التدريجي أو تقلبها ضمن نطاقات معقولة منذ ارتفاعها إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فبراير 2022”.
بالمقابل، أبرز بنونة أن “مستوى التوترات وتأثيرها على أسعار النفط العالمية وبالتبع في الأسواق المحلية، خصوصا المستورِدة بكثرة، أمر يرافقه الكثير من التساؤلات”، لافتا إلى أن “الأمر المؤكد إلى حدود الساعة هو أنه على الرغم من اشتداد حمى التوترات وسخونة الأحداث في أكثر من رقعة جغرافية فإن صعود الأسعار لتتجاوز التوقعات، يبقى مستبعدا”.
وتابع متوقعا ألا يتجاوز سعر النفط “80 دولارا للبرميل خلال الأشهر المقبلة”، مع استقرار الأسعار في المستويات الحالية. وقال: “على الرغم من أن الإنتاج قد ينخفض في كل منطقة فإن الولايات المتحدة تُعوضها”، مشيرا إلى أن “تطورات الشرق الليبي لن تمنع حقيقة ارتفاع الإنتاج النفطي إلى أعلى مستوياته في السنوات العشر الأخيرة”.
وأكد بنونة التحليلات القائلة بانخفاض الطلب على النفط بفعل أنه “من المنتظَر أن ينخفض استهلاك النفط، بعد لجوء عدد من الدول إلى الطاقات المتجددة في استراتيجياتها؛ ومنها المغرب الذي عوض صعود استهلاك الكهرباء بالمملكة بإنتاج كهرباء من مصادر نظيفة–متجددة”.
واستدل الخبير في الطاقة بأن “الربع الأول والثاني من سنة 2024 عرفا اتجاها تنازليا لكمية الكهرباء المنتَجَة بالمغرب من مصادر أحفورية مقارنة بالفترات نفسها من السنة الماضية، ولأول مرة (منذ أزيد من ثلاثين عاما) في سنة 2023 كنا قد حققنا نسبة تبعية طاقية تقل عن مستوى 90 في المائة”.
كما أشار بنونة إلى أن “تقليص استهلاك مشتقات النفط بالمغرب يُحفزُه انتظار أن تأخذ السيارات الكهربائية حصصها ومكانتها في السوق المغربية، في انتظار تقليص الاعتماد على سيارات تشتغل بالمحروقات”.