سعيٌ لإعادة كتاب تاريخ إمارة مغربية بائدة، هي برغواطة التي يحيط بتاريخ أربعة قرون من حياتها كثيرٌ من الغموض وقصص ادعاء النبوة وتحريف الإسلام بعقائد “غريبة”، يحضر في كتاب جديد للأستاذ الباحث المتخصص في تاريخ الفن وعلم الآثار الإسلامي أحمد أشعبان.
كتاب “البحث الأثري حول العصر الوسيط بالمغرب: التنقيب الأثري ببلاد تامسنا البرغواطية نموذجا”، صدر عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، ومن بين ما ينبّه إليه، عكس الشائع، أن دين بورغواطة “ليس دينا مستقلا، بل هو مذهب من المذاهب الإسلامية التي عرفها المغرب بعد ظهور الإسلام، بتزامن مع وجود الخوارج والشيعة والبجلية والمالكيين السنيين”.
وتابع أشعبان في تصريح لجريدة تشاش تفي الإلكترونية: “قمنا بإسقاطات كثيرة على تاريخ بورغواطة في بلاد المغرب الأقصى، ويجب إعادة كتابة التاريخ بمنهج جديد منطلق من الميدان ويعود إلى النص. فإلى اليوم، الخمسة قرون الأولى قبل ظهور المرابطين قرونٌ تعتبر غامضة، وينبغي كتابة تاريخ المنطقة الوسطى من المغرب؛ لأنه باستثناء ما قبل التاريخ، نجهل تاريخ المنطقة ككل رغم غنى مادتها الأثرية”.
وعرّف الأستاذ الباحث بورغواطة بكونها تقع ببلاد تامسنا قديما، بين وادي أم الربيع ووادي أبي رقراق والأطلس المتوسط، وعمّرت من القرن الثاني الهجري، 122 هجرية، إلى سنة 524 للهجرة.
لكن، “من الناحية المصدرية، كل ما كتب حولها كُتِب من الجانب السني المالكي، وليس لدينا كتابات من أناسها، ويوجد تحامل على البورغواطيين، وإثقالٌ لكاهلهم بمجموعة من الإشاعات والأكاذيب، حيث صُيّروا آتين بعقيدة مخالفة للإسلام، فيها البدع”، بينما “عند دراستها من داخلها، نجد أنهم أناس بدويون أخذوا دين الإسلام بنوع من التكييف مع الشأن الذي كانوا يعيشونه في بلاد تامسنا”.
ثم أردف المتحدث قائلا: “المؤرخ البكري سُني، وابن حوقل فاطمي عبيدي، وكلاهما لم يتطرّقا لبورغواطة بشكل موضوعي؛ فقد كانت ذات مذهب مخالف لمذهبَيْهِما (…) ونجد أن كل المواد الأثرية بالمنطقة التي تعود إلى فترة حياتها منتشرة في المغرب ككل، أي إنه لا خصوصية أثرية لها، ولو كان بها دين مختلف كان سيظهر في العادات والتقاليد والأواني الخزفية على سبيل المثال لا الحصر، بينما في المسح الأثري نجد أنها لا تختلف عن باقي مناطق المغرب من حيث الآثار، إلا من حيث الغياب التام للأدارسة بالمنطقة”.
وانتقد الأستاذ الباحث الكتابات الشائعة حول بورغواطة وتامسنا، قائلا إن ما يطبعها هو “اجترار ما كان في نصوص قديمة من العصر الوسيط، دون جديد فيما يخص موضوع بورغواطة”، وهو ما دفعه إلى “النظر في الميدان، بحثا عن وجود البورغواطيّين، وحضورهم المادي وحضارتهم”، مع “نقد بيبليوغرافي للبكري المؤرخ في القرن الخامس الهجري، وابن حوقل المؤرخ في القرن الرابع الهجري”.
بالتالي، عادَ الباحث منطقة تامسنا ووقف فيها من خلال المواد الأثرية على اثني عشر مدينة وسيطية، بتحقيقات ميدانية، وبحث طوبونيمي في أصل أسماء الأماكن، مع الاعتماد على الصور الجوية، والبنيات الأثرية التي تعود إلى العصر الوسيط، واللُّقى الأثرية التي من بينها الفخار والخزف، علما أن هذا الأخير هو “الأقرب إلى الإنسان من المواد الأثرية الأخرى”.
ثم استرسل شارحا: “في البحث الأثري تأثرنا بالمدرسة الفرنسية، خاصة في الأركيولوجيا الإسلامية، ومنهج المدرسة الفرنسية هو الانتقال من النص إلى الميدان”، لكن بعد تجربة ودُربة، قرّر أحمد أشعبان الانطلاق من الميدان، ودراسته، حيث وجدَ مدنا أثرية، من بينها مدينة تحت الأرض ينتظر أن تتمّ حمايتها ليُصرّح بموقعها، قبل أن يخلص إلى أن “إعادة كتابة تاريخ تامسنا، بنظرة مخالفة لما كتبه السنيون المالكيون، ضرورة لقراءة جديدة وحكم جديد”، حتى يعرف المغاربة الشاوية، والمغرب الذي لا نعرف حوله الكثيرَ الكثيرَ.