في خطوة تثير الكثير من التساؤلات استقبلت مخيمات تندوف الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو، التي تقع تحت الولاية القضائية للسلطات الجزائرية، بداية يناير الجاري، نشطاء انفصاليين أكراد يدعمون استقلال إقليم كردستان، ويؤيدون ميليشيا وحدات حماية الشعب “YPG” التي تدين بالولاء لحزب العمال الكردستاني الذي يطالب بتوحيد “الأراضي الكردية” في كل من تركيا وسوريا والعراق وإيران، وقوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصار بـ”قسد”، التي تنتشر في شمال وشمال شرق سوريا.
وجرى خلال زيارة هؤلاء النشطاء الانفصاليين إلى تندوف، التي تمت تحت أعين السلطات الجزائرية، رفع علمي كل من الكيان الوهمي في الصحراء و”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” أو ما تسمى “روجافا”، التي تعد منطقة سورية تشمل أجزاء من محافظات كل من الحسكة ودير الزور وحلب والرقة، وتسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية وبعض الميليشيات الأخرى.
ويؤكد مهتمون تحدثوا لجريدة تشاش تفي الإلكترونية في هذا الشأن أن استضافة هذه العناصر الانفصالية الكردية داخل التراب الجزائري ينطوي على رسائل سياسية موجهة من النظام الحاكم في الجزائر إلى كل من تركيا وسوريا اللتين تواجهان تحديات أمنية كبيرة مع الحركات المسلحة الكردية، مشددين على أن فتح مخيمات تندوف أمام الحركات الانفصالية في العالم لتعزيز تنسيقها هو جزء من إستراتيجية الجزائر القائمة على تغذية النزعات الانفصالية وخلق تحالفات مع فاعلين غير حكوميين لتعزيز نفوذها الإقليمي ولو على حساب أمن واستقرار الدول الوطنية.
فشل وتهديد
قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراعات وتدبير المخاطر، إن “مشاركة وفد كردي من ‘روجافا’ أو الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التابعة لوحدات الحماية الكردية، التي تشكل امتدادًا عضويًا لحزب العمال الكردستاني في تركيا، في نشاط تضامني نظمته ميليشيا البوليساريو بمخيمات تندوف، يمكن اعتباره تهديدًا صريحًا للوحدة الترابية لكل من تركيا وسوريا من طرف البوليساريو وصانعتها الجزائر، حيث قامت عناصر انفصالية تابعة لـ’روجافا’ انطلاقًا من العمق الجزائري برفع علم الانفصال الكردي، وتقديم عروض حول العمليات الأمنية والعسكرية التي ينفذها الجيش التركي لضبط الحدود السورية التركية ومنع تسرب عناصر التطرف العنيف من خلالها إلى الأراضي التركية”.
وتابع البراق بأن “هذا النشاط يندرج في إطار جهود تشبيك ميكانيزمات التواصل وتدعيم آليات التنسيق التي تنفذها أذرع المخابرات الخارجية الجزائرية لصالح ميليشيا البوليساريو بهدف فك العزلة السياسية عنها، وحشد وتعزيز الدعم الدولي لها، في مسعى إلى ربطها مع ديناميات وحركات انفصالية متقاربة من ناحية التوجه الأيديولوجي والفكري، في محاولة لإحياء النزاع الإقليمي المفتعل وإعطائه زُورًا وبهتانًا بُعدًا نضاليًا وكفاحيًا، خاصة في ظل الهزائم السياسية والدبلوماسية التي حصدتها الجزائر والبوليساريو أمميًا وقاريًا وإقليميًا”.
وأكد المصرح لتشاش تفي أن “لجوء الدبلوماسية الجزائرية إلى استقبال عناصر انفصالية كردية وتوفير الغطاء السياسي لتحركاتها ونشر دعايتها هو تأكيد على فشلها في الترافع الجدي والمسؤول عن مواقفها الخاطئة، وتأكيد أيضًا على حالة التخبط السياسي والدبلوماسي التي يعيشها الجهاز الإداري لوزارة الخارجية منذ عقود، أمام عجز أحمد عطاف عن تقديم تصور واضح وفكرة دقيقة للنهوض بعمل الدبلوماسية الجزائرية نتيجة ارتهانها برغبات جنرالات الجزائر”.
وبيّن الخبير ذاته أن “الدبلوماسية الجزائرية تعتمد على ميليشيا انفصالية ذات امتدادات إرهابية لتحقيق اختراقات سياسية عن طريق تحويل مخيمات تندوف إلى منطقة رخوة أمنيًا تستقبل عناصر انفصالية من مختلف أنحاء العالم لزعزعة استقرار الدول الإقليمية”، مشددًا على أن “دبلوماسية الجزائر أصبحت جزءًا من العطب الإقليمي، وسياساتها العدائية تجاه جوارها أصبحت تشكل أحد المخاطر الكبرى في المنطقة نتيجة العقيدة التصادمية لهذا النظام ومحاولته لعب أدوار إقليمية رائدة بتدخله الفج في العديد من القضايا الإقليمية، حيث تحول إلى أحد محركات الصراع في المنطقة”.
وسجّل المتحدث ذاته أن “احتضان جماعات انفصالية كردية تهدد الأمن القومي التركي وميكانيزمات الصراع في الشرق الأوسط يؤكد فشل صانع القرار السياسي الجزائري في تقديم قراءة دقيقة لطبيعة الأحداث الإقليمية المتسارعة ومتقاطعة المصالح بين مختلف القوى الفاعلة، في فضاء جغرافي إقليمي وقاري يعرف العديد من المخاطر”، وخلص إلى أنه “في وقت ينتظر العالم حلولًا نابعة من القوى الإقليمية للإشكالات الإقليمية من خلال تقوية دور الدول الوطنية نجد أن الدبلوماسية الجزائرية مازالت تتناول هذه الإشكالات بمقاربة كلاسيكية، وتحدد طبيعة تفاعلها على أساس تقدير موقف متجاوز يرتكز على دعم الميليشيات الانفصالية والإرهابية، بشكل لا يتناسب مع الجهود المفروض وجودها لصياغة رؤية إستراتيجية مناسبة تجاه التفاعلات والسلوكات الإقليمية”.
توجه جديد
أوضح هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، أن “ما حدث في تندوف خلال النشاط الذي نظمته جبهة البوليساريو ورفع ‘علم روجافا’ إلى جانب ‘علم البوليساريو’ يعكس تحولًا نوعيًا في إستراتيجيات الأطراف المعنية، ويثير تساؤلات جيوسياسية حول أبعاد هذا الحدث”، مضيفًا أن “هذا التصرف لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي الذي يشهد تداخلًا متزايدًا بين الحركات الانفصالية، إذ إن استقبال نشطاء أكراد مؤيدين لاستقلال كردستان يُظهر توجهًا جديدًا نحو تعزيز التضامن بين الحركات الانفصالية العابرة للحدود، وهو ما يحمل رسائل سياسية متعددة الأطراف”.
وأكد المتحدث ذاته أن “استضافة هؤلاء النشطاء في تندوف، التي تُعد منطقة حساسة خاضعة لسيطرة الجزائر، يُمكن أن يُعتبر خطوة تحمل في طياتها رسالة سياسية موجهة إلى كل من تركيا وسوريا، اللتين تواجهان تحديات أمنية وسياسية مع الحركات الكردية”، مشيرًا إلى أن “هذه الخطوة قد تُقرأ كتحرش غير مباشر بوحدة أراضي الدولتين، خاصة أنها تحمل طابعًا رمزيًا يعكس التقارب بين جبهات تسعى إلى تحقيق أجندات انفصالية في مناطق مختلفة من العالم”.
وزاد معتضد أن “منح الجزائر تأشيرات وتصاريح دخول للنشطاء الأكراد يعكس تنسيقًا مباشرًا أو غير مباشر بين السلطات الجزائرية وهذه الحركات، وهو سلوك قد يُنظر إليه كجزء من إستراتيجية الجزائر في توظيف ورقة الانفصاليين للضغط على خصومها الإقليميين والدوليين، خاصة في سياق تصاعد التوترات بين الجزائر وتركيا من جهة، والجزائر والمغرب من جهة أخرى”، معتبرًا أن “التداخل بين الحركة الكردية في الشرق الأوسط وجبهة البوليساريو في شمال إفريقيا قد يخلق تداعيات أوسع، إذ يمكن أن يثير قلق الدول المتضررة من الحركات الانفصالية، مثل تركيا وسوريا والمغرب، ويدفعها إلى تنسيق ردود فعلها الدبلوماسية والأمنية”.
وشدد الخبير ذاته على أن “هذا الحدث يظهر كمحاولة من الجزائر لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم الفاعلين غير الدوليين الذين يتقاطعون مع أجنداتها الجيوسياسية، إلا أن هذه الخطوة تحمل مخاطر كبيرة، إذ يمكن أن تؤدي إلى عزلة البلد دبلوماسيًا وزيادة الانتقادات الدولية تجاه دعمها الحركات الانفصالية”، معتبرًا أن “وجود شخصيات كردية في منطقة تندوف قد يفتح الباب أمام تعاون غير مسبوق بين البوليساريو وهذه الحركات، خاصة في ما يتعلق بتبادل الخبرات العسكرية أو اللوجستية، وبالتالي تهديد استقرار المنطقة وتعقيد النزاعات القائمة في كل من شمال إفريقيا والشرق الأوسط”.
من الناحية القانونية أكد الباحث ذاته، ضمن تصريح لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، أن “هذا الحدث يثير أسئلة حول مدى احترام الجزائر القوانين الدولية المتعلقة بدعم الحركات الانفصالية؛ ذلك أن استضافة شخصيات تسعى إلى تقسيم دول أخرى قد يُعتبر خرقًا للمبادئ الدولية التي تنادي باحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وهو ما قد يُعرضها لمزيد من الانتقادات الدولية”.
وبين المتحدث أن “رفع ‘علم روجافا’ إلى جانب ‘علم البوليساريو’ في تندوف يشكل مؤشرًا على تصاعد التقاطعات بين الحركات الانفصالية في العالم، ويضع المنطقة أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا؛ وبالتالي على الدول المتأثرة، بما فيها المغرب وتركيا وسوريا، العمل على تعزيز التنسيق الإقليمي والدولي للتصدي لهذه الظاهرة التي تهدد الأمن والاستقرار العالمي”.