“وكأنه مسلسل يتكرّر مشهده في كل مرة”، هو موضوع “الموظفين الأشباح” الذي عاد إلى الواجهة بقوة مع صدور تقرير عن المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط سلبا القنيطرة حول وضعية الموارد البشرية بجماعة الرباط، كاشفا عن أجور تصرف لموظفين لا يؤدون عملهم.
ووضعت هذه الظاهرة نفسها من جديد لتجسّد “تفوق” الموظفين غير المؤدين لعملهم على مختلف أجهزة الرقابة، معرية بذلك “استمرار غياب الإرادة السياسية بالجماعات الترابية المغربية لمكافحة الفساد”.
وعلى مر سنين، واجه الرأي العام ظاهرة “الموظفين الأشباح”.. وعلى الرغم من كل الضجّة التي أحدثها “تسيّب المال العام” فإن المسلسل نفسه يتواصل.
وفي هذا الصدد، كشف تقرير للمجلس الجهوي سالف الذكر حول وضعية الموارد البشرية بجماعة الرباط وجود “صرف للأجور لستة موظفين متقاعدين، ومتوفين إلى حدود نهاية فبراير 2023، واستفادة 77 موظفا من رواتبهم دون إدراجهم في لائحة الموظفين المدلى بها من قبل الجماعة، مع استشراء ظاهرة التغيّب عن مقرات العمل”، لافتا إلى أن “نسبة حضور لمقرات العمل لا تتجاوز 30 في المائة”.
وقد حاولت العديد من الجماعات مواجهة هذه الظاهرة عبر تقنية ” البوانتاج”؛ لكن محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أكد أن “الموظفين الأشباح تفوّقوا على جميع أنواع الرقابة”.
وأضاف الغلوسي، في تصريح لتشاش تفي، أن التقرير المشار إليه أظهر “استمرار غياب الإرادة السياسية لمكافحة نزيف المال العمومي، ومن جهة شروخ الشعارات الرسمية لمواجهة الفساد التي دائما يصدمها الواقع”.
وأورد المتحدث عينه أن نتائج التقرير أعادت “التطبيع الحاصل مع الفساد، الأخير وجد البيئة الحاضنة للإفلات من العقاب”، مشيرا إلى أن “عامل ربط المسؤولية بالمحاسبة الغائب تماما في مواجهة هذه الظاهرة عزّز تفوّق الموظفين الأشباح على آليات المراقبة الداخلية أو الخارجية”.
وتابع رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام: “من المخجل استمرار سماع مثل هذه التقارير في القرن الحادي والعشرين، وفي العاصمة المغربية التي توجد بها كبريات مؤسسات الرقابة”، موضحا أن “جماعة الرباط لا تحتاج النيابة العامة وسيلة نقل حتى تصلها، وتفتح تحقيقا في هذه المعطيات الخطيرة”.
وأردف الغلوسي أن الوقت قد حان دون تأخير، من أجل “مواجهة هذه الظاهرة عبر فتح تحقيق؛ لأن ذلك استمر لسنوات، وأصبح مخجلا سماعه من جديد”، مشيرا إلى أن “صرف أجور موظفين لا يعملون في ظرفية يعاني منها المواطن من الغلاء أصبح جد مخجل”.
من جانبه، اعتبر عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “ظاهرة الموظفين الأشباح سببها ثقافة مجتمعية صرفة، وأزمة منظومة القيم لدى المواطنين الذين يرون القطاع العام بلا مراقبة”.
وأضاف قراقي لتشاش تفي أن هذه المشكلة “لا يمكن معالجتها فقط عبر الضبط القانوني والإداري؛ بل أيضا من خلال إدراك أزمة مفهوم المواطنة بالمغرب، وأنه بحاجة إلى التعزيز والتقوية وفق ما جاء في الدستور الذي يربط بين الحقوق والواجبات”.
وأورد المتحدث عينه أن المسألة لا تتعلق بالمراقبة فقط ووضع “البوانتاج” بقدر ما تهمّ “البعد الإنتاجي الغائب لدى غالبية المواطنين”، مبيّنا أن “الموظف عندما يشتغل بالإدارة لا يقيس درجة إنتاجيته؛ بل يهمّه فقط تلقي الأجر، وهي ظواهر لا تتغيّر عبر المراقبة، بل بتغيير النظرة تجاه القطاع العمومي على أنه إنتاجي وليس مرتعا للراحة”.
ولفت قراقي إلى أن “العمل الحقيقي يبدأ من المدرسة، حيث التلميذ يجب أن يعي أن القطاع العام يتطلّب الإنتاجية وخدمة المواطن”..
واستطرد أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط بأن “مثل هذه الظواهر المزمنة تؤثّر على مصلحة المواطن، وتوسّع هوة الثقة مع الفاعلين”، مستدركا بأن “مواجهة الأمر ليس بالصعب، ويمكن حلّه من خلال استحضار ما سبق، ومن جهة على المستوى الراهن توظيف الرقمنة بالإدارات العمومية حتى تسدّ نسبة ما من هروب الموظفين عن عملهم”.