تستعدّ المؤسسة التشريعية خلال الدخول السياسي المقبل للتوصّل بمدوّنة الأسرة بعد إصدار المجلس العلمي الأعلى فتوى يرفعها إلى الملك محمد السادس عقب “دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات هيئة مراجعة مدونة الأسرة، استناداً إلى مبادئ وأحكام الإسلام ومقاصده السمحة”، لكن طبيعة النقاش السياسي الذي سيرافق عملية وضع المدونة، بعد هذه المرحلة، بين يدي “نواب الأمّة”، مازالت “ضبابية”.
ويعوّل ملاحظون على طرح القانون داخل البرلمان لمتابعة نقاش عمومي “مُفتقد” جعل تحليلات كثيرة تكيل “نقداً متشدداً” للمؤسسة التشريعية بخصوص “انحسار الجدل السياسي الذي يعطي للتدافع التشريعي متعة ومعنى”. غير أن ملاحظين من جهة أخرى يزيلون “الطرافة” بسرعة عن هذا الطموح، على اعتبار أن “الإشراف الملكي على الملف سيؤدي إلى نوع من التوافق في الحد الأدنى، وسيكون النقاش ليس بالقوة المتوقّعة”.
“التوافق مرتقب”
عبد الحفيظ اليونسي، أكاديمي أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، قال إن “الإحالة الشرعية والدستورية التي قام من خلالها الملك، بوصفه أمير المؤمنين ورئيس الدولة، تكشف أن إشرافه على تدبير هذا الملف الذي يحبل بتناقضات إيديولوجية وسياسية، سيجعل الآلية السياسية المتمثلة في الأحزاب والفرق داخل البرلمان حريصة على أن يكون موضوع الأسرة محل إجماع الأطراف السياسية الممثلة داخل البرلمان أو حائزا على التوافق”.
ووضّح اليونسي، ضمن تصريح لتشاش تفي، أن “هذا ما يبدو مرتقبا بعد أخذ الموقف الشرعي المبني على الفتوى وترجمة ذلك إلى نص تشريعي ونقل النص إلى البرلمان، وهو ما يبين أن التصورات الحادة التي جرى التعبير عنها خلال مرحلة الاستشارة التي كانت تشرف عليها اللجنة في حلّة مختلفة لن يكون لها مجال”، مبرزا أن “هذا يعني الاستمرار في المنهجية المعتمدة في تعديل قانون الأحوال الشخصية خلال 2003، بحيث كان هناك إجماع من طرف المكونات المجتمعية والتعبيرات السياسية على النص”.
وسجل المتحدث أن هذا “يعطي صورة إيجابية عن قدرة المغرب على الملاءمة بين مرجعيته الإسلامية والمرجعية الدولية والتحولات المجتمعية المتسارعة”، مضيفاً أن “هذا سيتمّ الحفاظ عليه هذه السنة أيضا، والآلية السياسية ستحرص على إيداع مدونة الأسرة للتداول التشريعي وهي حاصلة على ضمانات الإجماع أو الحد الأدنى من التوافق، لأن موضوع مدونة الأسرة كان غالبا ما يحل عن طريق التحكيم الملكي، وبالتالي هذا التحكيم سيعطي مرة أخرى قوة لنظامنا السياسي تبرز أنه في نقاط التناقض المجتمعي هناك مؤسسة تحرص على الحد الأدنى من التوافق: المؤسسة الملكية”.
“سيناريو واحد”
عبد الرحيم العلام، أكاديمي أستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش، سار على منوال اليونسي نفسه في كون الإحالة على المجلس العلمي الأعلى تبين أن المدونة بين يدي الملك شخصيا، وأي نتيجة يخرجها المجلس العلمي الأعلى في شكل فتوى سيتوقف على إثرها السجال السياسي الحاد والمتناقض للفرقاء السياسيين التقليديين المتنازعين، مضيفا أن هذا الأمر “يمس بشكل مباشرة المشاركين في اللعبة السياسية لكون النقاش سيبقى متواصلاً داخل المجتمع”.
وأوضح العلام، ضمن قراءته لتشاش تفي، أن “ما سيصدر عن المجلس العلمي الأعلى لن يصدر إلا بعد إطلاع الملك عليه، وموافقة العاهل المغربي ستكون ضمنية، وسيفهم موقف المؤسسة الملكية من طرف الأحزاب، وسيكون الوضع غير قابل للتجاذب السياسي”. وزاد: “الجدل لن يتوقف، سيبقى منتعشا مع الفرقاء السياسيين الذين يوجدون خارج الحقل التشريعي، مثل الجمعيات النسائية والحقوقيّة، وأيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي. سيتأجج النقاش ويخفت حسب الظرفية”.
وشدد المتحدث على أن “بعض الأحزاب التي لن يقبل نوابها مثلا بالنتيجة النهائية، يمكن أن توحي إلى أذرع أخرى، كالحركة الطلابية أو جمعيات غير منتمية، من أجل مواصلة النقاش. أما داخل المؤسسة التشريعية، فمستبعد أن يكون الجدل قويا”، خالصا إلى أن “هذه القراءة تبدو واقعية إذا فهمنا طبيعة النظام السياسي المغربي وطبيعة الفاعلين فيه، مع أن الفاعل البرلماني يمكن أن يلقي إلينا مفاجأة جديدة لأن ما نتوقعه ليس علم الغيب، بل هو تحليل قابل للنقاش”.