نبّهت فعاليات نقابية إلى أن “توالي” الاعتداءات التي يتعرّض لها عدد من الممرضين والأطباء العاملين بالمؤسسات الصحية الوطنية، يستعجل توفير “بيئة عمل آمنة”، من خلال مضاعفة عدد حراس الأمن العاملين بهذه المؤسسات، وشددت على أن “اجتثاث الظاهرة يمرّ أولا بتدارك النقص المسجّل في الأطر الصحية”.
النقابيون الذين تحدثوا لتشاش تفي اتفقوا على أن هذه الاعتداءات “غير مبررة بأي حال” وتكشف “سوء تقدير لهيبة المؤسسات العمومية”، إلا أن بعضهم لفت إلى أن “جزءا من هذه التجاوزات غير القانونية ضريبة يدفعها الممرض أو الطبيب عن الخصاص في الموارد البشرية”، مؤكدا أن “كل مريض هو حالة مستعجلة يحق له التذمر من الانتظار شريطة التعبير عنه بالوسائل القانونية”.
حوادث متزامنة
وكان المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة بسيدي قاسم، التابع للاتحاد المغربي للشغل، أدان “الاعتداء الشنيع” بالسلاح الأبيض الذي تعرض له “أ.ع” الممرض بقسم المستعجلات القرب بمشرع بلقصيري، يوم الأحد الماضي، من “طرف أحد المرافقين، بالإضافة إلى السب والشتم والقذف والكلام الساقط”، مرجعا الواقعة إلى “انعدام الأمن وقلة عدد الحراس، رغم النداءات المتكررة ووعود المسؤول الغائب لسد هذه الثغرة الأمنية بالمركز الصحي”.
وأضاف المكتب ذاته، في بيان اطلعت عليه تشاش تفي، أنه “مع النقص الحاد في الموارد البشرية تتسبب (الثغرة الأمنية) غالبا في عرقلة السير العادي للحراسة، مما يحمل الممرض والطبيب جميع أخطاء المسؤولين أمام المواطن، ناهيك عن المشادات مع الساكنة، ويعرض مستقبلهم المهني والشخصي للخطر”.
علاقة بالواقعة ذاتها، أوقفت مصالح الشرطة بمشرع بلقصيري شقيقين يبلغان من العمر 17 و20 سنة، بعد تداول شريط فيديو يظهر إقدامهما على تعنيف وإهانة إطار صحي بأحد مستشفيات المدينة ذاتها، وأحالتهما على النيابة العامة المختصة، الثلاثاء، للاشتباه في تورطهما في قضية تتعلق بتعنيف وإهانة موظف عمومي أثناء مزاولته لمهامه والسكر العلني البين.
وكان فرع التنظيم النقابي ذاته بإقليم الدريوش قد ندد بدوره بـ”الاعتداء الجسدي العنيف” الذي تعرض له الطبيب “ع.د”، يوم الأحد الماضي، أثناء مداومته بالمستعجلات بمستشفى الدريوش من قبل مرافقين اثنين لمريضة “بعد أن طلب منهما الانتظار لثوان لمعاينة المريضة التي كانت بصحبتهما، وذلك نظرا لكونه كان يقدم العلاج لحالة أخرى أكثر استعجالا”.
وقبل البلاغين، كانت النقابة المستقلة للمرضين بالرشيدية قد عبرّت، في يونيو الماضي، عن تضامنها مع “قابلة” بالمركز الصحي القروي ملعب، بعد تعرّضها “للاعتداء اللفظي والمعنوي” من قبل أحد المرتفقين، مشيرة إلى تسجيلها “ثلاث حالات اعتداء” على الأطر الصحية العاملة بالإقليم.
الأمن والضريبة
رحال لحسيني، نائب الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للصحة المنضوية في الاتحاد المغربي للشغل، قال إن “هذه الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها الأطر الصحية مرفوضة بصرف النظر عن أسبابها وحيثياتها، وتستعجل توفير بيئة عمل آمنة”، مشيرا إلى أن “مضاعفة عدد حراس الأمن داخل المؤسسات الصحية سيسهم ولو بنسبة معينة في الحد من لجوء بعض المواطنين إلى استخدام وسائل غير القانونية للتعبير عن سُخطهم عن الخدمات الصحية”.
وأضاف لحسيني، في تصريح لتشاش تفي، أن “الرفع من أعداد حراس الأمن مطلب مُلح لوضع حدّ للانفلات الأمني الذي تعيشه العديد من المؤسسات الصحية، ولكن لا ينبغي المراهنة عليه لوحده، لأنه قد يعني جعل هذه الفئة بدورها في مرمى أهداف المعتدين”، مضيفا أن “الحل يكمن في مواكبة هذا الرفع بإزالة سوء الفهم بين المواطن والمنظومة الصحية، الذي يؤدي ضريبته الممرضون والأطباء الموجودون في واجهة هذه المنظومة”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “بعض المواطنين يحمّلون الأطر الصحية مسؤولية الاختلالات التي يعرفها القطاع، خاصة النقص المهول في الموارد البشرية الذي يجعلهم ينتظرون مدة طويلة داخل المؤسسات الصحية”، مضيفا أن “التذمر من هذه المسألة حقّ مشروع؛ لأن الصحة ليست مجالا للانتظار وكل مريض هو حالة مستعجلة، شريطة عدم تحوّل هذا التذمر إلى سلوك عدواني تجاه الأطر الصحية”.
وأكد الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للصحة أن “تقوّية الأمن بالمؤسسات الصحية مطلب محسوم لا يقبل النقاش لوقف الاعتداءات، خصوصا تلك الصادرة عن أشخاص في وضعية غير طبيعية”، إلا أنه شدد على وجوب “اجتثاث الظاهرة من جذورها بتوفير العدد الكافي من الأطر، وتحسيس المواطنين بضرورة احترام المرفق الصحي واللجوء إلى الوسائل القانونية للاحتجاج على رداءة الخدمة المقدمة بهذا المرفق من شكايات ووقفات احتجاجية، عوّض استهداف الأطر الصحية”.
جهود وإشكال
بدوره، أبدى محمد اعريوة، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، التابعة للمنظمة الديمقراطية للشغل، مؤازرة تنظيمه النقابي للأطر الصحية ضحايا الاعتداءات الأخيرة، وقال: “رغم استمرار وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في بذل جهود كبيرة لتفادي تكرار هذه الحوادث، إلا أنه من الواضح أن إشكال أمن الإطار الصحي لا يزال مطروحا في عدد من المؤسسات الصحية الوطنية التي لا تتوفر على العدد الكافي من حراس الأمن”.
وأوضح اعريوة، في تصريح لتشاش تفي، أن “مضاعفة حراس الأمن حاجة ملحة لفرملة هذه التجاوزات غير المسؤولة من طرف بعض المواطنين في حقّ الأطر الصحية”، مستدركا بأن “العديد من الحالات المسجلة حدثت في ظل وجود حراس الأمن، لأن عملهم لا يمكن أن يقوم مقام عمل السلطة، ولكن هذا لا يلغي أهمية دورهم في هذا الإطار”.
وتابع الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة بأن “اللجوء إلى العنف الجسدي في حق الممرضين والأطباء، يكشف عدم تقدير هيبة المستشفيات والمراكز الصحية باعتبارها مؤسسات عمومية محمية بقوانين”.
وأبرز المصدر عينه أن “محاصرة الظاهرة تتطلب توعية وتحسيس المواطنين عبر منفذ التعليم أساسا بالتبعات القانونية للتهوّر واقتراف مثل هذه التصرّفات غير المواطنة”، مشيدا في الآن نفسه “بالمؤازرة والتضامن مع كل إطار صحي تعرّض لمثل هذه الاعتداءات من قبل زملائه ومختلف الأجسام النقابية الممثلة لشغيلة قطاع الصحة”.