على الرغم من تعالي أصوات الفعاليات المدنية البيئية والمناخية وتحفيزات مالية وضريبية بضرورة المرور إلى مصادر طاقة بديلة ونظيفة من حيث السيارات الجديدة، فإن تفضيلات المستهلك المغربي ما زالت “غير متحمسة” كثيرا بعد –على ما يبدو– لاقتناء سيارة كهربائية بالكامل أو من صنف “المركبات الهجينة القابلة للشحن”.
وكشفت الأرقام السنوية، التي نشرتها “جمعية مستوردي السيارات بالمغرب”، بخصوص بنية وتوزيع مبيعات السيارات الجديدة، خلال السنة الماضية، بجلاء عن “استمرار بيع سيارات تعمل بالمحروقات، مع هيمنة واضحة لمحركات الديزل (غازوال) أو البنزين”.
وعلق التقرير السنوي للجمعية المهنية المذكورة، طالعته جريدة تشاش تفي، مسجلا أنه “على الرغم من أن الحصة السوقية للسيارات الكهربائية، بصنفيْها (المركبات الكهربائية بشكل كامل BEV أو الهجينة القابلة للشحن PHEV ) مازالت بعيدة كل البعد عن الأرقام الدولية، خصوصا في أوروبا؛ إلا أنها تنمو بنسبة 50 في المائة، لتمثل 0,6 في المائة من حصص السوق (الإجمالية)، مدفوعة بحجم العروض المتاحة في السوق المغربية الذي تضاعف بين سنتي 2022 و2023”.
ويؤكد هذا “التقدم البطيء”، الذي عرفته السوق المغربية لمبيعات السيارات، فكرة “استمرار ضعف الإقبال على شراء سيارات نظيفة (كهربائية)”؛ إذ تثبت أن سوق المركبات الكهربائية في المغرب لا تحظى سوى بحصة “متواضعة” من المبيعات في السوق المحلية بالمقارنة مع الأسواق الأوروبية التي تصل فيها إلى حوالي النصف، وفق معطيات التقرير ذاته.
وحسب المصدر ذاته، فإن نمو المبيعات من أصناف السيارات الكهربائية في المغرب إلى غاية متم سنة 2023 بلغ حوالي 500 وحدة؛ ما قد يفسر اهتماما متصاعدا، ولكن “محتشما”، بتحول مستخدمي السيارات بـ”التحول الطاقي” نحو استخدام مركبات كهربائية.
وفسرت جمعية مستوردي السيارات هذه التطورات بما وصفته “اتساع نطاق الخيارات المتاحة”، مع مرور العلامات التجارية للمركبات الكهربائية من 18 إلى 24 علامة سنة 2023، ثم “ارتفاع عدد النماذج من 71 إلى 82 نموذجا”، في مؤشر على اهتمام متنام لشركات صناعة السيارات بالسوق المغربية وتقديمها مزيدا من خيارات العرض المتنوعة أمام “المشترين الجدد”.
“نمو تقابله عقبات”
ساقت الجمعية المهنية المصدرة للتقرير “عوامل متعددة ساهمت في هذا النمو”؛ أبرزها متمثل في “زيادة عدد النماذج المتاحة للسيارات الكهربائية، ما يتيح للمستهلك خيارات أوسع، فضلا عن السياسات الحكومية المغربية التي تشجع على اعتماد هذه التكنولوجيا من خلال الحوافز المالية (إعفاءات ضريبية ودعم مادي، مثلا)”.
بالمقابل، فإن محدودية انتشار فكرة المرور إلى المركبات الكهربائية بالمغرب يمكن تفسيرها بـ”تكلفة هذا الصنف من السيارات التي ما زالت نسبيا مرتفعة، على الرغم من أنها بدأت في الانخفاض”.
كما يعد “نقص شبكة شحن عامة فعالة” إحدى العقبات الكبرى التي تعترض نمو إقبال المغاربة على المركبات الكهربائية أو الهجينة؛ وهو ما أكدته معطيات الجمعية بأن “عام 2024 الجاري من المفترض أن يعرف “كهربة أكثر” للسيارات الجديدة المباعة بالمغرب، مع استمرار النمو “المرهون أساسا بتوسيع شبكة الشحن العمومية بشكل كبير في أبرز الجهات والمدن المغربية، فضلا عن الشجاعة السياسية من حيث تقديم الحوافز”، حسب تعبيرها.
“سوق مغربية ضعيفة”
لإلقاء مزيد من الضوء حول الموضوع وتفسيراته، أكد مصطفى لبراق، محلل اقتصادي مغربي مختص في اقتصاديات وأسواق الطاقة، “أهمية هذا الموضوع وراهنيته؛ نظرا لتداعياته الاقتصادية على سوق السيارات في المستقبل”.
وأضاف لبراق، في تعليق لجريدة تشاش تفي: “يتوجه سوق السيارات الكهربائية إلى تطور متزايد، خصوصا في الاقتصاديات الغربية وكذلك في الصين”، مبرزا أن “أوروبا تتجه نحو مبيعات أكثر في السنوات المقبلة، إضافة إلى الولايات المتحدة. أما الصين، فصارت أكثر مبيعاتها من السيارات الكهربائية؛ وهو ما يعطي فكرة شاملة على مستقبل السيارات في العالم، خصوصا أن مصنعي السيارات متمركزون في الدول والاقتصاديات المتقدمة التي تشهد تغيير سلوكيات السائقين فيما يخص مشاركتهم في الحرب على التلوث بصفة عامة.
وأورد المحلل الاقتصادي المختص في اقتصاديات وأسواق الطاقة أنه بالرغم أن السيارات مساهمة في التلوث الإجمالي للعالم، بما يعادل 25 في المائة؛ فإن سوق السيارات الكهربائية النظيفة بالمغرب ضعيفة جدا، شارحا “رغم أن بعض الموردين أدخلوا وأضافوا نوعية من الموديلات التي يمكن للمغاربة اقتناؤها”.
أسباب تفسر “العزوف”
في تقدير لبراق، فـ”أول سبب لعدم ارتفاع المبيعات بالمغرب هو الثمن؛ لأن المركبات ذات محركات كهربائية باهظة جدا، رغم ما يروج عن إمكانية تشجيع ضريبي؛ إلا أن ذلك يبقى غيْر مغر للمشتري المغربي”.
وأكد المتخصص في اقتصاديات الطاقة أن “السيارات بشتى أنواعها ما زالت تفوق قدرة شراء معظم المغاربة، خاصة الكهربائية مقارنة مع السيارات ذات المحركات الحرارية.. لا سيما أن المغاربة مازالوا أوفياء أكثر لاقتناء سيارات أوروبية الصنع (ألمانية أو فرنسية أو غيرها بدل السيارات الصينية التي ظهرت في المغرب بأسعار تشجيعية نوعا ما).
السبب الثاني يتمثل، وفق المصرح، في “ضعف البنية التحتية فيما يخص تواجد الشواحن وشاحن البطاريات في أماكن عمومية أو بجانب الطرقات أو في محطات الخدمة، وهذا هذا مهم جدا؛ لأن ذلك يساهم في كسب ثقة المستهلكين”.
كما سجل لبراق معددا ثالث التفسيرات في “سيادة نوع من هواجس ومخاوف إشكالية صيانة السيارات الكهربائية بالمغرب، في حال وقوع عطب تقني”.
وخلص بالقول إنه “رغم ضعف مبيعات السيارات الكهربائية، حاليا، فإنها سوف تزيد بصفة متذبذبة؛ لكن سوف تستمر في السنوات المقبلة، لأن السوق تتغير بشكل يجبر السائق المغربي على أن يتابع السوق رغم أنفه، نظرا للتوجه العالمي والأوروبي خاصة نحو مزيد من التصنيع النظيف الخالي من الكربون وغير المستهلك للمحروقات”.