تستمر الحملة الانتخابية المتعلقة برئاسيات الجزائر، المرتقب إجراؤها يوم 7 شتنبر 2024، التي لا تنتهي معها “شطَحاتُ تبون” وأرقامه الفلكية واستعراضاته التهريجية؛ آخرُ فصولها شهِدته، الخميس، الولاية الجنوبية “جانت” على الحدود الجزائرية مع كل من دولتي النيجر وليبيا اللتيْن وصفهما الرئيس المنتهية ولايته بـ”شقيقتيْن”، خلال تجمع خطابي لحملته التي استغلت رمزية الزيّ الصحراوي.
خلال خطاب ألقاه، رغم أنه لم يكن مجدوَلا ضمن برنامج حملته، ظهَرَ عبد المجيد تبون، وهو يرتدي الزيّ الصحراوي (المعروف شعبيا بالدّراعية)، ليؤكد، مجددا، دعم الجزائر المستمر لجبهة “البوليساريو” الانفصالية في مجلس الأمن الدولي، خاصة مع الرئاسة الدورية المنتظرة للجزائر في دجنبر المقبل للهيئة التنفيذية للأمم المتحدة.
وفي سابقة من نوعها تنضاف إلى أكذوبة تصنيف بلاده “كثالث اقتصاد عالميا”، يتصدّر ملف النزاع المفتعل إقليميا حول الصحراء المغربية صار “لازمة” لا تفارق أجندة عبد المجيد تبون الانتخابية وخطاباته الفولكلورية الموجَّهة لإقناع الجزائريين بالتصويت عليه لعهدة ثانية؛ فبعد خروجه منذ أيام (26 غشت) في مدينة وهران، حيث تعهّد بـ”عدم التخلي عن الجمهورية الوهمية وجعلها حقيقة واقعة”، عاد من ولاية جانت الحدودية محاولا تهدئة جيرانه في محيط ملتهب.
“المترشح الحرّ”، كما يقدمه نظام العساكر بالجزائر، تحدّث عن علاقات بلاده مع “الجوار الجزائري” الملتهب بنزاعات جيوسياسية وعسكرية في منطقة الساحل والصحراء؛ فما بين قوات حفتر التي تزحف نحو حدوده وصراعات مستمرة في بعض المناطق مع كل من النيجر ومالي. وقال إنه ملتزم بـ”تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة، مثل النيجر وليبيا ومالي”. كما أعرب عن استعداده “للدفاع عن النيجر ضد أي عدوان خارجي”، وفق تعبيره.
“عداء مفضوح ليس بالجديد”
في هذا الإطار وتعليقا على الموضوع، أكد حسن بلوان، خبير العلاقات الدولية، أنه “بغض النظر عن الحملة الانتخابية السريالية التي يقوم بها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، يمكن القول إن عقيدة العداء المَرضي للنظام العسكري الجزائري ضد المملكة تقوم على دعم جبهة “البوليساريو” الانفصالية، مما يؤكد أن الجزائر هي الطرف الرئيسي والمباشر في هذا الملف المفتعل”.
وقال بلوان، في تصريح لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، إن “اختيار وتزكية العسكر للمرشح عبد المجيد تبون يقوم على أساس الولاء والوفاء في تنفيذ هذه الأجندة الانفصالية، وليس بالضرورة لمعيار الكفاءة التي يمكن أن يَتّصف بها رئيس دولة”، مستدلا بأنه “يَكفي استحضار المواقف والوعود الانتخابية الغريبة والكوميدية التي تشكك في القدرات العقلية للمرشح/المعين الرئاسي وكذلك داعميه”.
وسجل الخبير في العلاقات الدولية المتابع للشأن الجزائري أن “إثارة قضية الصحراء المغربية في الحملة الانتخابية الباردة لتبون ليس بالأمر الجديد ما دامت أن هذه القضية لا تمثل أولوية في السياسة الخارجية الجزائرية فقط؛ بل تمثل خيارا سياسيا يسعى إلى بقاء النظام السياسي المتهالك، أمام شعبٍ تتزايد حاجياته ومطالبه نحو العيش الكريم والحرية والكرامة”.
وتابع المتحدث شارحا بالقول: “مهْما بالغت الآلة الإعلامية الرسمية الجزائرية في مهاجمة المغرب وتقديم شنقريحة وتبون كقيادة صاحبة إنجازات طوباوية، فهذا مؤشر يؤكد مرة أخرى أن الجزائر تستمر في فقدان البوصلة السياسية، وعدم مواكبة التغيرات الجيوسياسية التي يعرفها ملف الصحراء المغربية”.
وختم حسن بلوان بأن “نظام العساكر ومرشحه الحر بالجارة الشرقية للمملكة لا يَعيان قوة التغيرات الوازنة الحاصلة في كفة الدعم الدولي المتزايد لمخطط المغرب للحكم الذاتي، سواء بتوالي اعتراف القوى الكبرى بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية أو على مستوى التقارير الدولية التي تشير إلى أن المغرب حسَمَ فعليا وعمليا النزاع لصالحه؛ ما يجعل الطي النهائي للملف مسألة وقت فقط”.
“دغدغة للعواطف تتناسى الداخل”
خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، قال إن الرئيس المنتهية ولايته، في سعيه إلى العودة إلى قصر المرادية، “يُمكنه أن يُغري ناخبيه ويدغدغ عواطفهم في هذه المسرحية السياسية المسماة “انتخابات”، مبرزا أنه “يَعتقد أنه يقوم بحملة انتخابية في مواجهة مرشحين محتَمَلين هم مجرد لاعبي دور كومبارس”.
وتابع شيات، معلقا لجريدة تشاش تفي، أن “الحملة الانتخابية في هذه الحالة ليست سوى إطار يريد أن يصرّف من خلاله مواقف الدولة في سبيل غايات انتخابية”، كما أنها “حملة لمحاولة ترقيع الهفوات الداخلية رغم علمه جيدا قبل غيره أن البلاد على شفا الانهيار والانفجار الداخلي وكذا في محاولة لتبييض وجه النظام العسكري أمام العالم؛ ما يجعله ينقل التوتر نحو الحديث عن الجوار وحُسْنِه مع دول أصبحت تعي جيدا بأن النظام الجزائري يسعى إلى بلقنتها”.
ولفت الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية إلى أن “جانت وغيرها من المناطق الجنوبية التي تحدث منها تبون يوم الخميس معروفة بتوجّهاتها الانفصالية ضد الحكم المركزي للجزائر عبر فصائل الطوارق، فضلا عن استمرار إشكالية تقرير المصير في القبائل واستقلالها”، مسجلا أن “الحديث الحقيقي كان يجب أن يكون عن النزعات الانفصالية في جنوب الجزائر، فضلا عن اقتطاع أجزاء مهمة من دول الجوار وإلحاقها بالجزائر الفرنسية سابقا؛ ومنها منطقة الصحراء الشرقية على الحدود الحالية مع المغرب”.
واسترسل المتحدث ذاته شارحا: “يحاول تبون أن يُظهر للجزائريين أنه في موقع قوة يمكن من خلاله أن يعطي دروسا لغيره؛ في حين أن البلاد في حاجة إلى الحديث عن مشاكل داخلية قد تعصف باستقرارها”، خالصا إلى أن الرئيس المنتهية ولايته “يريد التسويق للعالم أن الجزائر فيها ديمقراطية حقيقية وتنافسٌ بين المرشّحين وتحافظ على الاستقرار الداخلي مقابل السعي غير الخفي نحو بلقنة الجوار، الذي تحدث عنه بصيغة الدول الشقيقة وحسن الجوار”.