حافظت وزارة العدل على المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية 2002 التي تخص محاكمة كبار المسؤولين في الدولة، أو ما كان يعرف بـ”الامتياز القضائي”، وفق توصيف الفاعلين في حقل القضاء وهيئات المحامين، لكن بوضع تصور أكثر قابلية لتنفيذ المتابعة والوضع تحت تدابير الحراسة النظرية بالنسبة لرئيس الحكومة أو مستشار ملكي أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو أحد الوزراء.
المادة 265 من النسخة المحينة من القانون، التي توصلت بها تشاش تفي ومن المرتقب أن تحال على المسطرة البرلمانية، تنص على أنه “إذا كان الفعل منسوباً إلى رئيس الحكومة أو إلى مستشار لجلالة الملك أو إلى رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو عضو من أعضاء الحكومة أو رئيس المحكمة الدستورية أو عضو بها أو عضو في المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو رئيس أول لمحكمة ثاني درجة أو وكيل عام للملك لديها، أو قاض بمحكمة النقض أو بالمجلس الأعلى للحسابات أو بالمحكمة العسكرية، أو قاض ملحق أو رهن الإشارة بإدارة ذات اختصاص وطني، أو إلى والٍ أو عامل أو ضابط للشرطة القضائية له اختصاص وطني، فإن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض عند الاقتضاء، يحيل القضية إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض”.
وتنص المادة نفسها في الفقرة الثانية منها على أنه “إذا تعلق الأمر بفعل منسوب إلى الرئيس الأول لمحكمة النقض أو للوكيل العام للملك لديها، فإن المتابعة تقرر فيها لجنة تتألف من أقدم رئيس غرفة وأقدم محام عام ومن أقدم عضو بالغرفة الجنائية بمحكمة النقض”، مضيفة أن هذه اللجنة “تتولى ممارسة اختصاصات الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة”.
وحسب الفقرتين الأولى والثانية أعلاه من المادة ذاتها، فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، وبناء على ملتمس النيابة العامة لديها، “تقوم بتعيين مستشار لإجراء تحقيق في القضية. وعند الاقتضاء، يعين مستشارا أو أكثر لمساعدته في إجراءات التحقيق”، مبينةً أنه “يجري التحقيق حسب الكيفية المنصوص عليها في القسم الثالث من الكتاب الأول من هذا القانون، مع مراعاة أن البت في الطعن بالاستئناف في الأوامر الصادرة عن المستشار المكلف بالتحقيق يتم أمام الغرفة الجنائية بمحكمة النقض دون حضور المستشار أو المستشارين المكلفين بالتحقيق”.
“وبعد انتهاء التحقيق يصدر المستشار أو المستشارون المكلفون بالتحقيق حسب الأحوال، أمراً قضائياً بعدم المتابعة أو بالإحالة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض. وتبت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في القضية. ويقبل قرار الغرفة الجنائية الاستئناف داخل أجل خمسة عشر يوما. وتبت في الاستئناف غرف محكمة النقض مجتمعة باستثناء الغرفة الجنائية التي بتت في القضية”، تنتهي المادة.
المادة 1-264 بينت كيف تجري مسطرة البحث في حق الأشخاص المشار إليهم في المادة 265 (…) إذا نسب إليهم ارتكاب فعل معاقب عليه بوصفه جناية أو جنحة، وفقاً للمقتضيات المنصوص عليها في القسم الثاني من الكتاب الأول من هذا القانون. (…) إذا تعلق الأمر بالأشخاص المشار إليهم في المادة المذكورة، فإن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أو من ينوب عنه من المحامين العامين هو الذي يشرف على البحث ويباشر شخصيا الاستماع إليهم وتفتيش منازلهم، كما يمكن له أن ينتدب لهذه الغاية واحدا أو أكثر من قضاة النيابة العامة أو من ضباط الشرطة القضائية من ذوي الاختصاص الوطني”.
المختار أعمرة، أستاذ القانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، قال إن “الحفاظ على مقتضيات البنود المتعلقة بمتابعة كبار المسؤولين في الدولة، مع رفع اللبس عنها في الحلة المسطرية الجديدة، من شأنه منح دفعة أخرى للنظام الجنائي المغربي، باعتباره من القوانين المعيارية التي تهم الأمن القضائي للمغاربة”، مسجلا أن “غياب التفعيل طيلة 20 سنة لهذه المقتضيات كان يحتاج مقتضيات ترسم المسطرة بوضوح تام وتكشف كيفيات التحري والبحث، إلخ”.
إرادة سياسية
وأفاد أعمرة بأن منح الصلاحية للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض لتحريك المسطرة عند الاقتضاء، مع إحالة القضية إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، “يكشف أن هناك إرادة سياسية لربط المسؤولية بالمحاسبة لدى الدولة المغربية، نتمنى أن تجد طريقها فعليا إلى الواقع حتى لا تظل مجرد بنود تؤثّث النصوص والمساطر ولكن بلا تنفيذ يكرس أسس العدالة الجنائية”، لافتا إلى أن محكمة النقض توجد في قمة هرم التنظيم القضائي المغربي.
وضمن قراءته لهذه المقتضيات عرضها لتشاش تفي، لفت الأكاديمي المغربي إلى أن الأمر “حقّ أصيل للنيابة العامة انطلاقاً من استقلاليتها التي منحها لها الدستور، وليس امتيازا لها، غير أن النص السابق كان يطرح ضبابية كانت تحتاج إلى تخط في انتظار مناقشة نواب الأمة للمشروع حتى تتضح مقتضياته الجديدة”، مشيرا إلى أهمية هذه الحاجة مع التطورات التي عرفها الحقل القضائي والاجتهادات الكثيرة والوثيقة الدستورية وتبدل طبيعة الفعل السياسي وظهور فاعلين جدد في السياق الاحتجاجي، إلخ.
وشدد الباحث في القانون الجنائي وعلم الإجرام على أن الإجراء “كان موجوداً، بيد أن نوعا من التخوف من طرف بعض ممثلي النيابة العامة كان حاضراً، لكون بعض الشخصيات النافذة التي تشغل مسؤوليات حكومية يمكن أن يكون لها نفوذ أكبر، غير أن التغيرات التي تعرفها بنية الدولة على مستويات كثيرة لم تعد تعتبر هذا التفسير ممكنا، ونحن نرى شخصيات لديها نفوذ سياسي واقتصادي في وضعية اعتقال”.
وأورد المتحدث عينه أن المقتضيات المحيّنة ترفع مجمل أشكال الحرج عن النيابة العامة، مسجلا أن “هذه الهيئة المكلفة بتحريك المتابعة إذا لم تقم بدورها يمكن أن تصبح موضوع متابعة على ذمة عدم أداء المهام أو التقصير أو التواطؤ، إلخ، وهذا إيجابي جدا، إذ صار لدينا وضوح في هذا المستوى”، لافتا في السياق ذاته إلى كون القضايا التي يمكن أن تباشر فيه هذه الجهة المتابعة، “تتعلق بالمال العام أو الفساد أو الشطط في استغلال السلطة أو النفوذ أو الإثراء غير المشروع”.
وسجل المتحدث سالف الذكر أن “بعض التنظيمات المدنية التي تكافح هذه الأشكال من الفساد كان يمكن أن يكون لديها أيضا الحق في رفع شكايات ضد هؤلاء المسؤولين الكبار، مع عدم ترك هذا الباب مفتوحا، لأننا نعرف أن بعض جمعيات حماية المال العام كانت تتخذ من أدوارها وسيلة ابتزاز للمسؤولين لنيل امتيازات معينة”، مبرزا أن هذه الجمعيات يمكن أن تثير في أحيان كثيرة قضايا اختلال حدثت أثناء مزاولة المسؤول مهامه أو خارجها، وتبين أنه ارتكب فعلا معاقبا عليه بوصفه جناية أو جنحة.