برزت ضمن ندوة نظمها فرع الحزب الاشتراكي الموحد بالرباط، أمس الخميس، اقتراحات عملية بخصوص إدارة الإحصاء العام للسكان والسكنى بالمغرب عموما، تتمثل في إمكانية وأهمية “طرح أسئلة على الشباب المغربي حول المعتقد الديني وتفرّقهم حول الإسلام والمسيحية واليهودية واللادينية، فضلا عن أسئلة أخرى تخص انتماءهم السياسي والجمعوي، بغرض معرفة البنية المغربية بالتدقيق”.
وضمن هذه الندوة المعنونة بـ”الإحصاء العام والسياسات التنموية”، حاول خبراء وأكاديميون التوقف بالتحليل والنقد عند النتائج التي كشف عنها الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، الذي أشرفت على إنجازه المندوبية السامية للتخطيط على مدار شهر شتنبر الماضي، وذلك باعتباره في نهاية المطاف “مسحا شاملا للتطورات التي عرفها المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة اقتصاديا واجتماعيا ومجاليا”.
انصبت مداخلات هؤلاء حول مناقشة أرقام البطالة، وتراجع الخصوبة لدى المغاربة، وزحف الشيخوخة على البنية الديمغرافية، فضلا عن مدى التكافؤ الاقتصادي والمجالي بين جهات المغرب، ثم تقاطعات الاقتصادي والسياسي بالمملكة ومدى توازي السياسات العمومية المتخذة مع خلاصات النموذج التنموي الجديد.
اقتراحات عملية
البداية كانت مع عائشة العلوي، خبيرة اقتصادية أستاذة جامعية ببني ملال، التي قالت إن “العملية الإحصائية مهمة سواء للدولة أو للفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، على اعتبار أن من شأنها تحديد الاحتياجات السكانية وتوزيع الكثافة السكانية بالبلد وتحديد اتجاهات التخطيط الحضري والبرامج التنموية كذلك”.
وفي معرض مداخلتها، طرحت العلوي تساؤلات مركّزة حول الطريقة التي تتم بها إدارة عملية الإحصاء بالمغرب، مبرزة “إمكانية طرح أسئلة حول الدين على مجتمعنا لنعرف انتماء شبابنا، هل إلى الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو اللادينية، فضلا عن اللهجات، ثم أسئلة أخرى حول الانتماء السياسي، وعن مدى انتمائهم إلى الجمعيات”، موضحة أن “هناك تراجعا بشكل عام في الأيديولوجيات، مما خلق عدم التوازن بين السياسي والاقتصادي”.
كما تطرقت المتدخلة لنتيجة أعاد الإحصاء الأخير التأكيد عليها، يتعلق الأمر بالتفاوت بين جهات بالمملكة، إذ أكدت “استمرار تركز النشاط الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي بجهات بعينها، وهو المعطى نفسه الذي استمر منذ الاستعمار وبداية الاستقلال”، شارحة أن “غياب البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية جعلنا نتحدث عن هذا المعطى، إذ إن عددا من الجهات تتولى عملية تكوين اليد العاملة والكفاءات، في حين تستفيد منها جهات أخرى تتوفر على بنيات اقتصادية”.
في سياق ثان، لفتت الأكاديمية المذكورة إلى أن “سيطرة المنظور الاقتصادي على الواجهة تعطينا منظورات قصيرة وغير استشرافية مقارنة بالمنظور السياسي، وهو الموضوع الذي لا يقتصر على المغرب لوحده، بل حتى على المستوى العالمي”، متحدثة في سياق منفصل عن “كون إشكالية البطالة تحتاج إلى تخطيطات بعيدة المدى، بالموازاة مع معاناة الاقتصاد المغربي من إشكاليْن مركزييْن، بما فيهما التبعية، وهو ما يوضح الحاجة إلى التحرر التنموي”، وفق تعبيرها.
تصاعد الشيخوخة
بدوره، تطرق محمد الشيكر، خبير اقتصادي رئيس “مركز الأبحاث والدراسات عزيز بلال”، للجانب المتعلق بالديمغرافيا المغربية ضمن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، إذ أوضح أن هذه الأخيرة “حمّالة أوجه”، وذلك بالنظر لكونها “تبقى في يد المجتمع لتغيير نفسه من الداخل؛ فنحن على العموم نعيش على وقع انتقال ديمغرافي منذ سنة 1995”.
كما لفت ضمن مداخلته إلى ما قال إنه “شيخوخة للمغرب قبل الأوان”، حيث اعتبر أن هذه الأخيرة “ستتصاعد ونحن لم نستعد بعد لذلك”، موضحا أن “من بين النقاط المثيرة كذلك تلك المتعلقة بتراجع الأسر النووية والمرتبطة أساسا بالقيم داخل المجتمع”.
ولدى حديثه عن المسائل المتعلق بالتخطيط وتوليد السياسات العمومية والمخططات بالمغرب، اعتبر المتحدث أن “الإصلاحات التي نجحت إلى حدود الساعة هي التي نتجت عن الصدام الاجتماعي، كمدونة الأسرة ومراجعة الدستور”، داعيا المغاربة إلى “التمسك بحقهم في الحُلم، على اعتبار أنهم اليوم لا يحلمون، وذلك في علاقتهم دائما بمستقبل البلاد، فحق الحلم هو الأساس لأن الأمم تحلم”.
سياسات ناجعة
دخل مصطفى عبقري، قيادي بالحزب الاشتراكي الموحد رئيس “المنتدى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”، على خط النقاش حول نتائج الإحصاء، قائلا إن “الإشكالية في الأساس لا تتعلق بتوفير المعطيات والمعلومات من عدمه، إذ إن هذه الأخيرة توفرها الدراسات التي تنجزها مؤسسات دستورية، بما فيها المجلس الأعلى للحسابات والمندوبية السامية للتخطيط؛ فالإشكاليةُ هي أننا لا نرى سياسات عمومية ناجعة”، موضحا كذلك أن “المشكل الأساسي لا يتعلق بالتعريف بخصوصيات الاقتصاد، بل بالطريقة التي يُدبّر بها هذا الاقتصاد”.
وأكد عبقري أن تقرير لجنة النموذج التنموي “كان يشير إلى كل ما يتعلق بالنشاط الاقتصادي للمغاربة وارتفاع الطلب على الشغل. كما أن الحديث عن التنمية يهم الإنسان والعدالة الاجتماعية”، موردا: “نحن نناقش قضايا اقتصادية بغطاء سياسي، لأنه لا يمكن مناقشة كل الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المتخذة منذ الاستقلال بدون إثارة الجانب السياسي”، مفيدا بأنه “في بعض الأحيان يكون المدخل هو إصلاحات دستورية عميقة تمس الإطار العام حتى تكون الديمقراطية مبلورة لكل ما هو اقتصادي”.