أفاد عبد الرحيم الشافعي، رئيس هيئة مراقبة التأمينات، بأنه “انطلاقا من بعض المؤشرات المتعلقة بالوضعية الديمغرافية والمالية لمختلف أنظمة التقاعد، لا بدّ من التعجيل بإصلاح المنظومة بأكملها لضمان توازنها وديمومتها على الأمد الطويل”، مشددا كذلك على “أن يكون هذا الإصلاح مناسبة لتوحيد شروط وكيفيات الاستفادة من الخدمات التي توفرها هذه المنظومة”.
وذكّر المتحدث، خلال مشاركته في المنتدى البرلماني الدولي التاسع للعدالة الاجتماعية المنظم من لدن مجلس المستشارين والمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، بأن “منظومة التقاعد تتسم في شكلها الحالي بضعف نسبة التغطية التي لا تتعدى 49 في المائة من الساكنة النشيطة المشتغلة”، معتبرا أن “توسيع قاعدة منخرطي أنظمة التقاعد لتشمل فئات العمال غير الأجراء وفئات أخرى سيمكّن من تحسين هذه النسبة بصفة جد مهمة، حيث من المنتظر أن تتجاوز 80 في المائة من الساكنة النشيطة المشتغلة”.
ومن ناحية التوازنات المالية لأنظمة التقاعد، قدم المسؤول ملاحظة متعلقة “بكون معدلات التعويض مهمة مقارنة مع مستوى المساهمات المطبقة ومُدّة الانخراط بالنسبة لمُعظم الأنظمة؛ مما يساهم في ارتفاع التزاماتها تُجاه المنخرطين والمستفيدين وفي هشاشة توازناتها المالية”، مبرزا أن “تاريخ نفاد الاحتياطيات يعدّ من أهم المؤشرات التي تلخص هذه الوضعية وفق ما تُظهره الدراسات الاكتوارية التي أنجزتها الهيئة”.
ووضّح الشافعي قائلا: “على أساس معطيات سنة 2023، فإن احتياطيات نظام المعاشات المدنية ستنفد كلِّيا بحلول سنة 2031 عوض 2028 حسب تقييم 2022، بعد أن استفاد النظام إيجابيا من الزيادات الأخيرة التي شهدتها الأجور في القطاع العام والتي ساهمت في تأجيل تاريخ نفاد الاحتياطيات بثلاث سنوات”.
وزاد المتدخل في المنتدى البرلماني الدولي التاسع للعدالة الاجتماعية: “بالنسبة لنظام الضمان الاجتماعي والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، فإنه من المتوقع أن تنفد احتياطياتهما على التوالي في 2037 و2051”.
وفيما يتعلق بمنظومة التغطية الصحية، أبرز رئيس هيئة مراقبة التأمينات أن “الهيئة سجلت تعدد أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض مع وجود بعض الاختلافات في عدد من المقاييس؛ مما يجعل منها منظومة مجزأة وتتسم بعدم تجانس سلّة العلاجات وبفوارق على مستوى الجُهد المساهماتي”، مفيدا بأن “هذه المنظومة تتّسم بأهمية نسبة نفقات العلاجات المباشرة التي تتحمّلها الأسر، حيث تناهز هذه النسبة 35 في المائة من إجمالي مبلغ النفقات”.
ورصد رئيس الهيئة سالفة الذكر “معاناة منظومة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض من اختلالات ونواقص عديدة؛ كوجود حكامة غير منسجمة بين الأنظمة، وتعدد القطاعات والأجهزة المتدخلة مع ضعف التنسيق فيما بينها، وكذا تدبير لا يرقى إلى المستوى المطلوب مع الاستمرار في تدبير الملفات بطريقة تقليدية متجاوزة تستوجب العمل على الانتقال نحو تدبير عصري للملفات”. كما أورد “هشاشة التوازنات المالية لبعض الأنظمة التي دخلت في دَوَّامَة من العجْز البِنيوي”.
وأوصى المتحدث عينه بـ”إنشاء تغطية أساسية موحدة بالنسبة لجميع المؤمنين، بمن فيهم الفئات الفقيرة أو في وضعية هشاشة والربط بين التغطية الأساسية والتكميلية مع تحديد مجال كل منهما، أي تحديد سلة العلاجات وتسقيف نِسَب إرجاع المصاريف بالنسبة للتغطية الأساسية في حدود معقولة، حتى يبقى مجال للتأمين الصحي التكميلي”، مشددا على “تأهيل العرض الصحي وضمان عرض منصف ومتكافئ للعلاجات بمختلف الجهات والمُوازنة بين العرض الصحي بالقطاع العام ونظيره بالقطاع الخاص من أجل استفادة متكافئة للقطاعين من موارد التأمين الإجباري الأساسي عن المرض”.
كما نادى الشافعي بـ”وضع آليات ملائمة وفعّالة لمواجهة إشكالية تحصيل الاشتراكات برسم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالعمال غير الأجراء من خلال تقوية الحملات التحسيسية واتخاذ إجراءات تحفيزية، علما أنه في متم سنة 2023 لم تتجاوز نسبة التحصيل 25 في المائة، مما يجعل ديمومة هذا النظام على المحك”، منبها إلى “ضرورة وضع نظام معلوماتي وطني مُندمج لتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، يسمح بإشراك جميع المتدخلين”.
بالإضافة إلى ذلك، لفت المتحدث إلى أهمية “إيجاد الحلول المناسبة، وبالسرعة اللازمة، لإشكالية ازدواجية تسجيل بعض المنخرطين في أكثر من نظام وتطهير قواعد المعطيات المتعلقة بمختلف الأنظمة”، وكذا “إرساء إلزامية الانخراط في نظام “AMO الشامل” بصفة واضحة لتفادي اقتصاره على تغطية الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أو خطيرة، مما سيطرح حتما إشكالية التوازن الديمغرافي والمالي لهذا النظام”، ناهيك عن توصية “التعجيل باتخاذ الإجراءات الكفيلة لضمان التوازن المالي لبعض أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض”.
أما فيما يخص قطاع التعاضد، وحتى “تتمكن التعاضديات من لعب دورها كاملا في المشهد الحالي لمنظومة الحماية الاجتماعية”، قال الشافعي إن “هيئة التأمينات ترى أنه من الضروري تأهيل القطاع التعاضدي ببلادنا؛ من خلال مراجعة وتحيين الصيغة الحالية لمشروع مدونة التعاضد لملاءمتها مع الواقع الجديد، وإعادة توضيح نطاق تدخل التعاضديات في مجال الحماية الاجتماعية، وإرساء قواعد الحكامة الجيدة، إضافة إلى الجوانب المتعلقة بتحديد وتدبير المخاطر وبالمراقبة والتقنين”.