في خطوة تعكس حجم التناقضات التي يتسم بها خطاب الجزائر، رحبت وزارة الشؤون الخارجية في هذا البلد، ضمن بيان لها، باعتماد الدورة العادية الثامنة والثلاثين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي بالقرار المتعلق بتصنيف الاسترقاق والترحيل والاستعمار كجرائم ضد الإنسانية وكجرائم إبادة جماعية؛ وهو ما يعيد إلى الأذهان ملف المغاربة ضحايا الترحيل القسري من الجزائر الذين ما زالوا يطالبون بجبر الضرر الذي لحقهم من جراء الإجراءات الانتقامية للسلطات الجزائرية في حقهم.
وأعرب الخارجية الجزائرية عن دعمها وتأييدها لهذا القرار، الذي أشارت إلى أنه “يمثل خطوة مهمة في مسار السعي نحو تحقيق الاعتراف والعدالة والتعويض عن الجرائم التي تعرضت لها الشعوب الإفريقية”؛ وهو ما يفضح وفق مهتمين ازدواجية الخطاب السياسي والحقوقي للجزائر التي تتجاهل ماضيها الأسود وتورطها في واحدة من أبشع الجرائم التي استهدفت مواطنين مغاربة عزل كانوا مقيمين على أراضيها في أواسط سبعينيات القرن الماضي.
جريمة نكراء
قال جمال العثماني، أحد المغاربة المطرودين من الجزائر، إن “ترحيب الجزائر، على لسان وزارة خارجيتها، باعتماد دورة مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي تصنيفَ الترحيل كجريمة ضد الإنسانية ينطوي على تناقض كبير؛ بالنظر إلى قيام السلطات الجزائرية بجريمة نكراء تتمثل في ترحيل الآلاف من المغاربة قسرا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وهو الحادث الذي لا يمكن أن يمحوه الزمن من ذاكرة ضحايا هذا الترحيل”.
وأضاف العثماني، في تصريح لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، أن “الضحايا لا يمكنهم أن يواجهوا الدولة الجزائرية بسيف خشبي، إذ يجب انخراط مختلف التنظيمات والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية، وكذا الدولة المغربية نفسها، في الترافع عن هذا الملف وتسليط الضوء عليه في المحافل الدولية وفضح هذه الجريمة التي يرفض النظام الجزائري الاعتراف بها، في وقت يتبجح فيه باحترام حقوق الإنسان”.
وأكد المتحدث ذاته أن “السلطات الجزائرية قامت بطرد مواطنين مغاربة عزل في ظروف غير أخلاقية وغير إنسانية، في وقت قدم فيه المغاربة أرواحهم في سبيل استقلال الجزائر”، معتبرا أن “ما قامت به الجزائر حينها جاء ردا على تنظيم المسيرة الخضراء وتمكن المغرب من استعادة وحدته الترابية دون إراقة قطرة دماء، حيث عمد النظام الجزائري إلى محاولة خلق أزمة في شرق المملكة بطرد المغاربة المقيمين على الأراضي الجزائرية؛ غير أن المغرب استطاع تخطي الأزمة التي حاولت الجزائر اختلاقها، رغم الهشاشة الاقتصادية التي كانت تعرفها هذه المناطق”.
غياب التوازن
اعتبر عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، أن “مطالبات الشعوب الإفريقية التي ظلت تحت وطأة الاستعمار الإمبريالي لعقود من الزمن، ومعاناتها من مظالم وأحداث مأساوية وشنيعة شوهت تاريخ إفريقيا، تُوجت باعتماد الاتحاد الإفريقي للموضوع المؤطر لسنة 2025 حول العدالة للأفارقة والأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي، من خلال التعويضات، في إطار سعي دول القارة الإفريقية إلى تحقيق العدالة التاريخية لشعوبها المسحوقة، عبر فرض الاعتراف الصريح للقوى الاستعمارية بما ارتكبته من فظائع ومآسٍ ضد شعوب القارة ونهب خيراتها، والسعي إلى تحقيق جبر ضررها عن طريق تعويض الشعوب عما قاسته من ويلات الاستعمار”.
وأضاف الفاعل الحقوقي ذاته أن “اعتماد القرار الذي تقدمت به دولة طوغو من طرف مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في دورته الثامنة والثلاثين بأديس أبابا، بشأن تصنيف العبودية والترحيل والاستعمار كجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ضد شعوب إفريقيا، يتماشى مع مطالب وتطلعات الشعوب الإفريقية في استعادة كرامتها ونيل استقلالها من التبعية الإمبريالية التي ما زالت تنخر تاريخ وحاضر ومقدرات القارة الإفريقية. واعتماد هذا القرار التاريخي يدل على تناغم مطالب شعوب إفريقيا مع إرادة حكامها، وهو ما ترجمته كلمة وزير خارجية طوغو أثناء جلسة الاعتماد”.
وأشار المتحدث لتشاش تفي إلى “خروج خارجية الجمهورية الجزائرية ببيان غير متوازن بخصوص قرار تصنيف العبودية والترحيل والاستعمار كجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ضد شعوب إفريقيا، من بين ثماني عشرة نقطة من جدول أعمال مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، تحوي قضايا بالغة الأهمية، لم يشملها البيان الجزائري بالإشادة أو الإشارة، من قبيل العدالة الاجتماعية في إفريقيا ومنتدى ثقافة السلام واللاعنف”.
سجل حقوقي
لفت عبد الوهاب الكاين الانتباه، أيضا، إلى أن “البيان الجزائري لم يأتِ على ذكر مصدر القرار المقترح، بسبب موقف جمهورية توغو من قضية الصحراء المغربية”، مضيفا: “إذ نقدر شجاعة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في اعتماد هذا القرار الجريء، بالرغم من الصعوبات المرتبطة بتنفيذه وتنزيله على أرض الواقع، ونتبنى مضامينه كمنظمات غير حكومية عاملة في مجال حقوق الإنسان، فإننا ننظر بعين الريبة والحذر إلى تصريح الخارجية الجزائرية، الذي يفيد بتكليف الاتحاد الأوروبي الجزائرَ وجنوب إفريقيا بكفالة تنفيذ القرار على المستوى القاري، والحذر نابع من سجل السلطات الجزائرية الأسود في مجال حقوق الإنسان”.
وتابع قائلا: “بقراءة عميقة ومتبصرة للقرار المذكور، نقف على ما ارتكبته الدولة الجزائرية ضد 45 ألف مغربي مقيم بشكل قانوني بمختلف مناطق الجزائر من ترحيل قسري وجرائم تشتيت الأسر وتفريق أفراد العائلات صبيحة عيد الأضحى، وهي جريمة بشعة بمقتضى القوانين الدولية والوطنية، ومخالفة لكل الشرائع السماوية. فعلى الرغم من تنديد وشجب مختلف آليات الأمم المتحدة الحمائية لحقوق الإنسان، فإن الضحايا لا يزالون يطالبون بإنصافهم وتمكينهم من لم شملهم بعائلاتهم وإرجاع ممتلكاتهم المنهوبة من قبل مختلف أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية منذ عام 1975”.
واعتبر أن “الجزائر متورطة حتى النخاع، ومنذ مدة طويلة، في محاولات يائسة لاستهداف المغرب والمغاربة، ومحاولة الانقضاض على بقعة من أرض الصحراء إرضاء لشغفها الربحي والتجاري”، مسجلا أن “النجاة من موجة المغربوفوبيا هذه لن تتحقق سوى بدخول الجزائر، ساسة وشعبا وقوى حية، في مسار تغيير عميق ومؤلم لاقتلاع جذور الكراهية والحقد تجاه الآخر، والتخلي عن الإحساس بالسمو والعلو على حساب الآخرين، والسعي إلى اقتلاع ثقافتهم وحضارتهم وأثرهم فقط لأنهم لا يروقون لنا، لأن للاختلاف والعداء والحرب مبادئ وأخلاقيات كذلك”.