في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي ويتداخل الواقع الافتراضي مع حياتنا اليومية، تبرز ظاهرة الابتزاز الإلكتروني لتثير القلق والخوف بين الأفراد والمواطنين، مخلفة آثارا نفسية واجتماعية عميقة.
تجارب مريرة كثيرة عاشها ويعيشها المواطنون مع الابتزاز الإلكتروني، إذ غالبا ما يبدأ الأمر بتعارف بسيط عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع شخص يدعي الاهتمام والإعجاب، ومن “هادي لهادي” سرعان ما تتطور المحادثات إلى تبادل صور شخصية ومعلومات حساسة، تحول هذا التعارف إلى كابوس يطارد الضحية ليلا ونهارا.
ظاهرة متنامية
أكدت المديرية العامة للأمن الوطني، في بلاغ حصيلتها لسنة 2024، أن الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة وجرائم الابتزاز المعلوماتي سجّلت “زيادة قدرها 40 بالمائة، بعدد قضايا ناهز 8333 قضية، في حين بلغ عدد المحتويات ذات الطبيعة الابتزازية المرصودة 3265 محتوى إجراميا”، فيما بصمت قضايا الابتزاز الجنسي باستعمال الأنظمة المعلوماتية على تراجع ملحوظ بنسبة 23 بالمائة، بعدد قضايا بلغ 391 قضية.
وفي هذا الصدد، قال نور الدين عثمان، الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بوزان، إن “نسبة انتشار جرائم الابتزاز الإلكتروني على أرض الواقع، أكثر مما هو معلن، بسبب عدم قيام عدد مهم من الضحايا بالتبليغ، خاصة المنتمين إلى عائلات محافظة، وكذلك نسبة من الفتيات اللواتي يخشين ردود فعل عنيفة من عائلاتهن في حال التبليغ عن التشهير الذي تعرّضن أو يتعرّضن له”.
وأضاف نور الدين أن الظاهرة تعد من “الطابوهات” المسكوت عنها، وأضحت رقعتها تتسع لتشمل القرى بعدما كانت حكرا على كبريات المدن والحواضر، داعيا إلى التحسيس بأهمية الإبلاغ عن المشهّرين والمبتزين.
ممارسات شاذة
نور الدين أبرز أن “المبتزين يتبعون طرقا مبتذلة وحيلا مشينة تسقط الضحايا في شباك المحظور، لينقلب الكلام المعسول إلى ابتزاز ورسائل تحمل تهديدا واضحا: إذا لم تدفع مبلغا من المال في غضون 24 ساعة، سيتم نشر هذه الصور على الإنترنت وتوزيعها بين أصدقائك وزملائك”.
وذكر الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية لحقوق الإنسان بوزان أنه شخصيا يعرف عشرات الأشخاص الذين سقطوا في شباك هذه العصابات، موردا أن عملية النصب والابتزاز تشمل الذكور والإناث، ولها “آثار نفسية خطيرة على الضحايا، تتراوح بين الاكتئاب والقلق وفقدان الثقة بالنفس، كما قد تتجاوز ذلك إلى التفكير في الانتحار”، داعيا الجميع إلى توخي الحذر في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي لأنها سلاح ذو حدين.
من جانبه، أكد عبد الصمد الدكالي، فاعل مدني وجمعوي بمدينة وزان، تزايد حالات الابتزاز الإلكتروني بالإقليم، مشيرا إلى تعامله مع ثماني حالات، آخرها كانت في سنة 2024، مستحضرا “الحالة النفسية السيئة للضحايا، لا سيما أن فيهم من فكر في الانتحار لإنهاء العذاب النفسي”.
ومن خلال متابعته لهذه الحالات، ختم الدكالي تصريحه لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، بالتشديد على “ضرورة المتابعة النفسية للضحايا لمدد طويلة بهدف تخطي هذه التجربة والتخلص من تلك الهواجس والتخوفات التي قد تدفع بعضهم إلى الانتحار أو التخلي عن طموحاتهم الشخصية”.