في الوقت الذي يستمتع معظم الناس بعطلة عيد الفطر مع عائلاتهم، باعتبار الأعياد فرصة للراحة وتعزيز الروابط العائلية، يواصل العديد من الموظفين والمهنيين أداء مهامهم لضمان استمرارية الخدمات الأساسية، حيث يجدون أنفسهم في مقرات عملهم، ملتزمين بمسؤولياتهم لضمان سير الحياة اليومية خلال العيد.
ويطرح هذا الواقع إشكالية تأثير العمل خلال الأعياد الدينية، وعيد الفطر تحديدا، على التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، ومدى تقدير المجتمع لمجهودات الأشخاص الذين تحرمهم التزاماتهم المهنية من قضاء العيد مع عائلاتهم، سواء كانوا قريبين منهم أو بعيدين عنهم.
ومن هؤلاء العاملين أفراد الأمن الوطني، والأطر الصحية، ورجال الدرك الملكي، وعمال النظافة، إضافة إلى العاملين في قطاع بيع المواد الغذائية، حيث تُواصل هذه الفئات المجتمعية أداء مسؤولياتها اليومية وواجباتها المهنية من أجل توفير خدمات لا غنى عنها خلال هذه المناسبة الدينية السنوية.
الأمن في المدن
عبد الله (اسم مستعار لعنصر من الأمن الوطني) قال إنه يفضل أداء الطقوس الدينية يوم العيد، وارتداء اللباس التقليدي، ثم التوجه إلى المصلى وزيارة العائلة؛ لكنه يدرك أن طبيعة عمله قد تفرض عليه أحيانا الحضور في الميدان لضمان النظام، مشيرا إلى أنه “لحسن الحظ لم يُطلب منه العمل خارج مدينته في يوم العيد سوى مرتين خلال عشر سنوات”.
وعن التوفيق بين العمل وأجواء العيد، أوضح المتحدث ذاته أن “الأمر يكون أكثر سهولة عندما يكون في مدينته، إذ يتقاسم المهام مع زملائه، حيث يأخذ كل واحد منهم، بعد صلاة العيد، فترة قصيرة لزيارة أسرته، بينما يواصل الآخرون العمل؛ مما يتيح للجميع فرصة قضاء بعض الوقت مع عائلاتهم دون التأثير على سير المهام الأمنية”.
وأكد عبد الله، دون رغبته في كشف هويته لأسباب مهنية، أن “رجال الأمن في الميدان يدعمون بعضهم البعض، حيث يتكلف أبناء المدينة بالعمل بدل زملائهم القادمين من مدن أخرى، لتمكينهم من الاحتفال مع أهاليهم”، مضيفا أن “العمل يوم العيد ليس سهلا؛ لكنه جزء من الواجب المهني. كما أن التعاون بين العناصر الأمنية يساهم في التخفيف من ضغط العمل في مثل هذه المناسبات”.
وأشار الشرطي ذاته إلى أن “الامتنان الذي يلمسه رجال الأمن في عيون المواطنين يخفف من تعبهم يوم العيد، إذ يسمعون دعوات صادقة مثل ‘الله يعاونكم’ و’سمحوا لينا، أنتم خدامين وحنا معيدين’؛ مما يمنحهم شعورا بالتقدير ويجعلهم أكثر تفانيا في أداء مهامهم خلال هذه الفترات الخاصة”.
وفي ختام حديثه، شدد عبد الله على أن “العمل خلال الأعياد والمناسبات هو تضحية نبيلة”؛ لكنه يأمل في أن يتم الاعتراف بها بشكل أكبر، من خلال “سن تعويضات مناسبة تحفز رجال الأمن، وتعكس أهمية دورهم في الحفاظ على الأمن والنظام في مثل هذه المناسبات”.
أطر الصحة
يوسف شكير، طبيب في القطاع العام، قال إن “عمل الأطر الصحية يختلف حسب نوع المهام التي يزاولونها، حيث نجد فئتين أساسيتين: الأولى تشتغل وفق التوقيت الإداري ولا تواجه إشكالا مع العيد باعتباره يوم عطلة رسمية، بينما تضم الثانية العاملين بنظام الحراسة؛ ما يفرض عليهم الاستمرار في أداء واجبهم خلال هذه المناسبة”.
وأضاف أن “الحراسة تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأولى هي الحراسة العادية، حيث يبقى الموظف في مقر عمله طيلة المناوبة مع تعويضه بوقت راحة لاحقا، ثم الخدمة الإلزامية التي تتيح له البقاء في منزله لكنه يكون تحت الطلب، وأخيرا الحراسة الإدارية التي تقتصر على التنسيق الهاتفي، مع التنقل فقط في الحالات الطارئة”.
وأوضح الطبيب أن “العمل يوم العيد يخضع لتنظيم دقيق، من خلال توزيع الفرق الطبية بشكل توافقي دون الإخلال بالسير العادي للمرفق الصحي؛ مما يتيح استغلال فترات الهدوء الطبي في استحضار أجواء العيد رغم التزامات العمل. أما العاملون بنظام الخدمة الإلزامية، فيقضون صباح العيد مع أسرهم؛ لكنهم يظلون على أهبة الاستعداد للتدخل عند الحاجة”.
وقال يوسف شكير: “رغم أن العمل خلال العيد يترك شعورا بالحنين إلى الأجواء العائلية، فإن الإحساس بالمسؤولية والواجب الوطني يغلب على هذا الشعور، لأن الأطر الصحية تعي أهمية دورها الإنساني؛ ما يجعلها تتقبل الأمر بروح إيجابية، إدراكا لكونها تمارس مهنة نبيلة تتطلب التضحية والتفاني”.
الجريمة في القرى
عبد الإله (اسم مستعار لعنصر من الدرك الملكي) قال إن “مهام الدركيين متعددة ومتنوعة وغير محصورة بزمان أو مكان أو مناسبة. لذلك نقوم، في إطار تعزيز الأمن والاستقرار بمختلف المناطق، بمجهودات كبيرة في محاربة الجريمة وبؤر الفساد بشتى أشكاله؛ غير أن يوم العيد يعد بالنسبة لنا يوما استثنائيا، لأنه يفرض علينا المزيد من الحيطة والحذر، والالتزام التام وفق استراتيجية عمل متكاملة تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى حفظ سلامة الوطن والمواطن”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لتشاش تفي، أن “يوم العيد يتطلب تنظيم دوريات ميدانية لمحاربة كل ما يخالف القانون، ونصب سدود مراقبة عديدة في مداخل ومخارج كل منطقة نفوذ، حيث يعمل جميع قواد المراكز الترابية والقضائية جاهدين على تعزيز التعاون مع مختلف السلطات المحلية والتفاعل مع المجتمع المدني، من أجل تقديم النصائح الأمنية وتعزيز الثقة بين رجال الدرك الملكي والمواطنين تحت شعار الله الوطن الملك”.
وبخصوص الاحتفال مع الأسرة في عيد الفطر، أكد عبد الإله أن “عائلة الدركي تكتسب مناعة اجتماعية تجاه المناسبات والأعياد الدينية والوطنية، حيث إن الدركي غالبا لا يستفيد من هذه العطل بسبب مساهمته في استثباب وحفظ الأمن والسلام للمواطنين خلال هذه الفترة الخاصة والاستثنائية، وفي الوقت ذاته لا يزعجه العمل في هذه المناسبات التي تتطلب نكران الذات وحب الخير للغير وضمان الأمن والسلم الاجتماعيين”.
وأوضح الدركي أنه “في خضم فترة الأعياد تكثر التنقلات عبر الطرق، كما تنتشر الجريمة بطريقة غير طبيعة؛ وعلى سبيل المثال بعد مرور شهر رمضان المبارك وانطلاقا من يوم العيد تنتشر حالات السكر العلني والعمومي وإحداث الضوضاء؛ الشيء الذي يقابله رجال الدرك الملكي بإستراتيجية استباقية كإلقاء القبض على مروجي ماء الحياة وباقي المسكرات. كما يقومون بإيقاف المخربين والفوضويين ووضعهم رهن الحراسة النظرسة لتقديمهم إلى العدالة، بعد إنجاز المسطرة”.
النظافة يوم العيد
عبد الله أيت منصور، عامل نظافة، قال إن “يوم العيد له طابع خاص، إذ يضفي على عملي أهمية كبيرة. كما أن رؤية الشوارع نظيفة قبل صلاة العيد تمنحني إحساسا بالرضا، خاصة عندما أرى ارتياح الناس لغياب النفايات؛ ما يجعل الأجواء أكثر راحة وبهجة”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “العمل يوم العيد ليس عبئا، بل مسؤولية؛ لأن دور عامل النظافة لا يختلف عن أدوار ضرورية أخرى، كالأطباء ورجال الأمن والجنود الذين يستمرون في أداء مهامهم خلال المناسبات”.
وأكد أيت منصور، في تصريح لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، أن الشركة التي يعمل بها “توفر ظروفا مناسبة، حيث تُمكن العمال من أداء صلاة العيد دون عائق. كما تمنحهم تحفيزات مالية تقديرا لعملهم يوم العيد”.
وختم عامل النظافة حديثه قائلا: “العيد ليس مجرد عطلة، بل فرصة للتضامن والعطاء. وأنا أشعر بالفخر لأنني أساهم في توفير بيئة نظيفة، بعيدا عن مفهوم ‘الأجر مقابل العمل””.
احتياجات الأطفال
لا يقتصر العمل يوم العيد على المشتغلين في القطاع العام، بل يهم أيضا ممارسي بعض المهن الحرة، إذ قال محمد أقديم، صاحب محل لبيع المواد الغذائية، إنه يبدأ يومه بأداء صلاة العيد مثل الجميع، ثم يعود إلى المنزل لأخذ قسط من الراحة قبل أن يفتح محله بعد الظهر.
وأشار أقديم، في تصريح لتشاش تفي، إلى أنه “بخلاف ما قد يراه البعض، فهو لا يعتبر العمل في هذا اليوم أمرا مزعجا؛ بل بالعكس يجد فيه متعة وفرصة لمشاركة فرحة العيد مع زبائنه، خصوصا الأطفال الذين يقصدون محله لشراء المستلزمات الخاصة بالمناسبة”.
وأكد المتحدث ذاته أن “مهنته شريفة ولها طابعها الخاص، إذ تتيح له التفاعل المباشر مع الناس والمساهمة في تلبية احتياجاتهم؛ مما يضفي على يومه شعورا بالرضا”، مضيفا أن “حب الإنسان لعمله يجعله يؤديه بروح إيجابية. لذلك، يرى أن فتح المحل يوم العيد لا ينتقص من احتفاله بالمناسبة؛ بل يجعله جزءا من أجوائها”.
وبعدما أكد البقال ذاته أن العيد مناسبة عائلية، شدد على أنه يحرص في المقابل على الحضور في متجره بعد قضاء الصباح مع أسرته، معتبرا أنه “من المهم في عبد الفطر نشر الفرح والاستمتاع بالأجواء الاحتفالية مع الزبائن، خاصة الأطفال الذين يغمرهم الحماس في هذا اليوم”.