في قلب إقليم ورزازات، تتجلى إحدى أجمل الحكايات التراثية المغربية من خلال صناعة الزربية الواوزكيتية. هذه الصناعة التقليدية، التي تعتمد بشكل رئيسي على مهارات النساء، ليست مجرد تراث يرويه الأجداد، بل هي أيضا مصدر رزق وإبداع يحتاج إلى دعم وترويج ليتجاوز الحدود المحلية ويصل إلى العالمية.
تعتبر الزربية الواوزكيتية، التي تصنع من الصوف الطبيعي للأغنام، من الحرف اليدوية النادرة التي تحافظ على تقاليدها الصناعية بينما تدمج فيها لمسات عصرية، حيث تعكس هذه الصناعة ثقافة وفن المنطقة، لكونها تتميز بألوانها الزاهية ونقوشها المعقدة التي تحكي قصصا وأساطير محلية.
النساء في إقليم ورزازات هن العمود الفقري لهذه الصناعة، وذلك من خلال مهاراتهن اليدوية المتقنة، حيث يحولن الصوف الخام إلى قطع فنية مميزة تجمع بين الجمال والدفء. هؤلاء النساء لسن مجرد صانعات، بل هن حارسات لتراث ثقافي واقتصادي يواجه تحديات الحفاظ على هويته في عصر التحديث.
رغم أهمية هذه الصناعة وما تمثله من قيمة اقتصادية وثقافية، يعاني قطاع الزربية الواوزكيتية من نقص في الترويج، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، ما يؤثر سلبا على قدرة الصانعات على التوسع في أسواق جديدة والحصول على الدعم اللازم لتطوير منتجاتهن وتحسين جودتها.
لتحقيق الاستدامة والنمو في هذا قطاع الزرابي، يرى عدد من المهتمين أنه يجب أن تكون هناك استراتيجية متكاملة تجمع بين الدعم الحكومي، الترويج الفعال والابتكار التكنولوجي، مضيفين أن هذا يتطلب من الحكومة توفير الدعم المالي وتسهيلات القروض، والتدريب على التسويق الحديث، وتوفير المواد الخام بأسعار مدعومة، كما يجب تنظيم معارض دولية والمشاركة في المؤتمرات لتعزيز الوعي بهذه الصناعة، بالإضافة إلى تشجيع الشركات والمؤسسات الخاصة على الاستثمار في هذه الصناعة من خلال شراكات تجارية أو عقود توريد يمكن أن تسهم في تأمين سوق مستدامة للمنتجات.
إضافة إلى ذلك، أكدت نعيمة، وهي نساجة من منطقة تازناخت الكبرى، أنه يجب دمج التكنولوجيا في عملية الإنتاج لتحسين الجودة وزيادة الكفاءة دون التأثير على الجوانب التقليدية واليدوية التي تمنح المنتج قيمته، مشددة أيضا على ضرورة إنشاء برامج تعليمية وورش عمل لتعليم الجيل الجديد من النساء فنون الزربية للحفاظ على هذا الفن وتطويره.
وقالت نعيمة، في تصريح خاص لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، إنه “رغم الإبداع والجمال الذي تحمله الزربية الواوزكيتية، إلا أن هذه الصناعة تواجه تحديات كبيرة، تتمثل في ضعف التمويل والدعم الحكومي، إضافة إلى نقص الترويج الإعلامي للمنتج”، مشيرة إلى أن “هذا النقص يعيق القدرة على التوسع في الأسواق الداخلية والخارجية، مما يحد من فرص التصدير وتحقيق الدخل اللازم لتطوير الصناعة وتحسين جودة المنتجات”.
عبد الله آيت الصغير، خبير في مجال صناعة الزربية الواوزكيتية، أكد أن “الدعم المالي غير الكافي يعني أن الصانعات يجدن صعوبة في الحصول على المواد الخام الجيدة أو تحديث أدواتهن اليدوية، مما يؤثر على الجودة النهائية للمنتج”، موردا أن “عدم وجود تمويل يحول دون إمكانية تدريب المزيد من النساء على هذه الحرفة، مما يهدد بفقدان هذا التراث الفني مع مرور الزمن”.
وذكر المصرح لتشاش تفي أن “الترويج الإعلامي المحدود، يعني أن هذه الزربية لا تحظى بالانتشار الكافي، سواء في السوق المحلية أو العالمية”، مبرزا أن الحملات الإعلامية القوية، والمعارض الدولية، والتعاون مع المصممين العالميين، يمكن أن تكون طريقة فعالة لجذب الأنظار إلى هذا الفن الرائع، ولكن “دون هذا النوع من الترويج، تبقى الزربية الواوزكيتية كنزا مخفيا، معروفا فقط لدى قليلين”.
ولتحقيق النجاح الحقيقي لهذه الصناعة، يرى الحسين ايت ناصر، من أبناء منطقة تازناخت الكبرى (موطن هذه الزربية)، أنه “يجب توفير بيئة داعمة تشمل تمويلا كافيا، تدريبا مستمرا وترويجا إعلاميا شاملا”، مشيرا إلى أن هذا ليس مجرد مطلب اقتصادي، بل هو “مسؤولية ثقافية واجتماعية للحفاظ على هذا الفن النادر وتمكين النساء اللواتي يعتمدن عليه كمصدر للدخل والتعبير عن ذواتهن”.
يذكر أن الزربية الواوزكيتية ليست مجرد منتج، بل هي رمز للهوية الثقافية والتراثية لقبائل تازناخت الكبرى بإقليم ورزازات، ويؤكد عدد من الخبراء والمهتمين أنه يمكن للزربية الواوزكيتية أن تصبح علامة مغربية مميزة في السوق العالمية، وأن توفر فرصا اقتصادية للنساء اللواتي يعتمدن على هذه الصناعة لتأمين لقمة عيشهن وتعزيز مكانتهن الاجتماعية.
رقية، نساجة من المنطقة، أكدت بدورها، في تصريح لتشاش تفي، أن النساجات يعانين من ضعف التمويل وغلاء المواد الأولية، معتبرة أن الطريقة التي يتم التعامل بها مع الزربية الواوزكيتية توحي بأن هناك من يريد إنهاء هذه الصناعة التقليدية وفتح المجال أمام صناعات مستوردة، ملتمسة من الجهات المسؤولة، وخاصة الوزارة الوصية، توفير الدعم المالي للنساجات وعدم الاكتفاء بتوفير الصوف والصباغة.
وأكدت المتحدث ذاتها أن النساء في حاجة حاليا إلى الدعم المادي وتوفير المواد الأولية، مشيرة إلى أن تنظيم مهرجان الزربية لن يأتي بأي جديد كما كان الحال في السنوات الماضية، مضيفة أن المهرجان الحقيقي الذي تنتظره النساء “هو الدعم وبناء مؤسسات لتعلم هذه الصناعة للأجيال القادمة”.