مع حلول الساعة الثالثة زوالا من كل يوم يقصد زوار معرض الفرس هنا بالجديدة، على شكل أفواج، مدرجات مركز المعارض محمد السادس المقابلة للحلبة المخصصة لفنون الفروسية التقليدية (لْمَحْرَك)، ساعين إلى ضمان مقاعد تمكنهم من الاستمتاع بالعروض التي تقدمها ثماني عشرة سربة تتنافس على جائزة محمد السادس الكبرى.
الجمعة كان ما قبل الأخير في إطار فعاليات هذه الجائزة، التي تروم تثمين “التبوريدة” المغربية المدرجة من قبل “اليونيسكو” في اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، بما جعله يعرف إيقاعا قويا وأداء مبهرا أبانت عنه الفرق الثماني عشرة التي تمثل جهات المملكة ككل.
خُطةُ إجراء المنافسات هنا جد دقيقة، إذ تم تصنيف السّرب إلى مجموعتين، تضم كل واحدة منها تسع سربٍ، لها الحق في المرور أربع مرات على أرضية “لمحرك” وأمام آلاف الزوار الذين يراهنون على متابعة أطوار المنافسات، خصوصا خلال آخر يومين.
وموازاة مع أداء السّرب المتنافسة لعروضها في جو محموم يُميّزه التنافس، يظل الحكام الخمسة محافظين على تركيز عالٍ، إذ من مهامهم ضبط تحركات الفرق الثماني عشرة على مستوى أرضية “لمحرك” خلال ثلاث ساعات متواصلة، إلى جانب منح كل سربة ما تستحقه من نقاط بناء على الأداء التي قدمته أمام المتفرجين.
التحكيم يخلق النقاش
يبرز في هذا الصدد نقاش معايير التحكيم، إذ يتساءل الكثير من الحاضرين بمركز المعارض محمد السادس عن فلسفة التحكيم ومبادئه في هذا الإطار، وما إن كانت هذه العملية تستدعي ضمان روح الديمقراطية أم لا. نقلنا جانبا من هذه الأسئلة إلى الحكم الفيدرالي عبد العزيز البزيوي، الذي قدم لنا شروحات بخصوص الموضوع.
يقول البزيوي في هذا الصدد:” لكل سربة الحق في المرور أربع مرات على مستوى أرضية “لمحرك” وأمام الجمهور. يسمى المرور الأول بالهدّة أو التدريجة، ويتم تنقيطها بما يصل إلى 25 نقطة. كما نستحضر في هذا الإطار الحالة الصحية للخيول وقوائمها وطبيعة اللباس التقليدي وحالة السروج، إلى جانب الطريقة التي يستعرض بها “لمقدّم” سربته”.
البزيوي أبرز لتشاش تفي أن “هناك ثلاثة معايير نستحضرها فيما يخص تنقيط مرور السربات. بداية بطريقة الانطلاقة من مدخل “لمحرك”، ثم طريقة لعب كل سربة على حدة، إذ نشدد على أن كل واحدة منها يجب أن تحافظ على الطريقة المعروفة بالمنطقة التي تنتمي إليها”، موردا أن “المعيار الآخر يتعلق بطريقة إطلاق البارود، إذ نكافئ جيدا من يقوم بأداء الطلقة بشكل جماعي”.
مُحدّثُنا كشف كذلك أن “هيئة التحكيم تقوم بتجميع النقاط بشكل إلكتروني بناء على ما وفرناه من معلومات عن طريق اللوحات الإلكترونية التي نتوفر عليها. وجود خمسة حكام فيدراليين يعني محاولة عدم ظلم أي سربة، إذ يكون لدينا تقريبا نفس التنقيط، غير أننا نوزع على جنبات “لمحرك” لتوفير أسس العدل، ولتكون الملاحظة من كل الزوايا متوفرة”.
صلواتٌ وجلسات للشاي
تمكّنت السّرب الثماني عشرة من تقديم أفضل ما لديها خلال هذا اليوم، الذي يعتبر الرابع وما قبل الأخير، فيما ظل الجمهور حريصا على التفاعل مع مختلف العروض التي قُدّمت من قبل المشاركين الثمانية عشر، وسيكون الإيقاع مرتفعا غدا السبت.
تغادر الفِرق “لمحرك” وتعود أدراجها صوب الخيام المنصوبة جانبا. ينزل كل فارس من فوق ظهر جواده ملقيا السلام على زملائه في السربة، قبل أن يلج الخيمة التي تخصه. داخل هذه الخيمة ينزع الفرسان ملابس التّباري ويتبادلون أطراف الحديث حول المنافسات وكيف مرّت.
ذِكرُ الله وشكره لا يفارقان ألسنتهم. الشاهد على ذلك أن أول ما يقومون به هو إقامة الصلاة. اتضح لنا أن كل واحد أخذ يصلي صلاة العصر التي فاتته، إذ كان وقتها مُمتطيا جواده يجوب أرضية “لمحرك” طولا باحثا عن النقاط. بعد ذلك يحين وقت الأكل والشرب بشكل جماعي، وهو ما يبرُز خاصة لدى فرسان الأقاليم الجنوبية، إذ تشغل طقوس الشاي جزءا كبيرا من وقتهم.
المرحلة الثانية في هذا الصدد هي مرحلة الاجتماع، فكل سربة يجتمع أعضاؤها بعد نهاية جولات التنافس، ويكون حديثهم حول منسوب الأداء الذي قدموه، ويطرحون الهفوات التي سقطوا فيها. الاجتماع هنا يكون فرصة للتخطيط لطريقة خوض غمار منافسات الغد.
“التنافس على أشدّه”
أمام خيمة سِربته التقينا بإبراهيم الناصحي، مقدم سربة بجهة كلميم واد نون، الذي قال إن “المنافسة كانت اليوم شرسة، فكل واحد يريد أن يحل في المراتب الأولى، وهناك سربٌ حالفها الحظ وقدمت أداء أفضل، مما سيُمكنها من انتزاع أكبر عدد من النقاط”.
وحسب الناصحي، فإن سربته “تُعول كثيرا على منافسات يوم غد السبت، إذ سيكون التنقيط على اثنين بدلا من واحد، ويكون لمقدم السّربة هنا دور في تحفيز الفرسان والسهر على لوازم الفرقة وعلى انتظامهم كذلك وتجاوبهم مع التعليمات التي يتم إعطاؤها”، مشيرا إلى أن “التنافس سيكون محموما يوم غد، فالأمر يتعلق بجائزة محمد السادس”.
بدوره أكد يونس عاد، نائب مقدم سربة عن جهة الدار البيضاء سطات، أن الفرق بين الخيل العربي أن المشاركة تكون جد قوية خلال هذا اليوم. أرى ان سربتنا يمكنها الحلول في مقدمة الترتيب”. قبل أن يضيف أن “تفاعل الجمهور مع القرصات جد رهيب، وتصفيق الحاضرين يحفز الفرسان على تقديم أداء جيد”.
الاستعداد ليوم النهاية
داخل خيمة السّربة التي يترأسها يحاول الفارس المسفيوي (نسبة إلى آسفي) حميد سرفاق، المعروف في عالم التبوريدة بـ”حميمصة”، استرجاع أنفاسه بعدما ظل زهاء ثلاث ساعات ممتطيا جواده، وكان يتبادل أطراف الحديث مع أعضاء فرقته.
وقال لتشاش تفي: “نتمنى أن يحالفنا الحظ، وأن تمر الأمور بسلام غدا السبت، إذ سنقوم بكل جهودنا، ويبقى نجاحنا مرتبطا بتوفيق الله. كانت علينا ضغوط خلال الأيام الماضية، والعياء نال منا، وهو أمر عادي. سنقوم باجتماع هذا المساء لتدارس كيفية سير الأمور”. أما بخصوص حضور الجمهور فأوضح أنه “كان في المستوى، ونريد المزيد منه وحضوره بشكل متواصل، فحضوره هنا يدفعنا إلى إعطاء أبرز ما في جعبتنا على مستوى أرضية لمحرك”.
يلجأ الفرسان إلى نزع السروج عن الأحصنة وجعلها ترتاح بعد المسافات الطويلة التي قطعتها، كما يتم إمدادها بالماء والعلف إكراما لها على ما بذلته من جهود، هي التي تشكل تيمة معرض الجديدة، على أن تكون مستعدة لمنافسة جديدة في اليوم الموالي.
بعد نهاية التباري بحوالي ساعة كاملة تكون نتائج اليوم بحوزة هيئة التحكيم، التي تقوم بتعليقها على نافذةٍ بالقرب من الخيام، وهو ما يشكل شبه استنفار لأعضاء كل فرقة بغرض التعرف على تنقيط الحكام لهم. يتجمهر هؤلاء أمام النافذة التي عُلّقت عليها لائحة النتائج، وتبرز ردود الفعل المختلفة حول منسوب التنقيط، بين مبتهجٍ بترتيبه وراضٍ بما قدمه، وبين منتقد يشهر ورقة “المظلومية”.