سنتان مرتا على استقبال الرئيس التونسي المنتهية ولايته زعيم الانفصاليين في تندوف، على هامش القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي “تيكاد” 2022، وعلى الجمود الدبلوماسي الذي طبع العلاقات المغربية التونسية منذ ذلك الحين، بسبب ما اعتبرته الرباط “عمل تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة للمملكة المغربية ومصالحها العليا”، دون أن تكون هناك أي مؤشرات على إمكانية حدوث تقارب جديد بين هذين البلدين المغاربيين.
وعلى الرغم من رسائل التودد التي تبادلها البلدان في الفترة الأخيرة، على غرار الاتصال الهاتفي الذي جمع وزير الخارجية المغربي مع نظيره التونسي، الثلاثاء، بمناسبة تعيين هذا الأخير في منصبه، وتأكيدها على “الحرص المشترك على دعم أواصر التعاون بين البلدين في مختلف المجالات”، والمصافحة بين رئيس الحكومة عزيز أخنوش ووزير الخارجية التونسي الأسبق في باريس، إلا أن استعادة العلاقات لبريقها يبقى “أمرا مستبعدا” في الوقت الحالي، يؤكد مهتمون.
وقد لاقت خطوة قصر قرطاج استقبال زعيم البوليساريو استنكارا كبيرا داخل أوساط النخبة التونسية نفسها، التي دعت قيس سعيد إلى تصحيح خطئه، إلا أن صانع القرار التونسي يبدو أنه لا يملك إرادة سياسية لذلك، يسجل آخرون، خاصة في ظل ما اعتبر توجها تونسيا لتعزيز التقارب مع الجزائر على حساب العلاقات مع الرباط ومع الفضاء المغاربي، وهو ما بات يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات المغربية التونسية في ظل ولاية ثانية أصبحت في حكم المؤكد لسعيد الذي يتهمه معارضوه بحسمها مسبقا لصالحه عن طريق تبييض مضمار السباق الرئاسي بإبعاد أبرز المنافسين له.
انحياز تونسي ومصالح عابرة
في هذا السياق، قال محمد عطيف، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، إن “العلاقات المغربية التونسية لم تعد كما كانت نتيجة مجموعة من الأسباب والعوامل والتحولات التي طرأت عليها، أبرزها استقبال زعيم الكيان الوهمي في تندوف من طرف الرئاسة التونسية خلال قمة تيكاد، وهو ما أثار حفيظة الرباط التي اعتبرت الأمر مساسا بوحدتها الترابية وانقلابا على الموقف الرسمي التونسي الكلاسيكي وكذا على التوجه العربي الداعم للمغرب”.
وأضاف عطيف، متحدثا لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، أن “تونس توجهت منذ ذلك إلى تعزيز تحالفها مع الجزائر التي تحاول توريط الدولة التونسية أكثر في مستنقع دعم الانفصال في الصحراء من خلال إغراءات ذات طبيعة اقتصادية بالنظر إلى الأزمة التي تشهدها تونس على المستوى الداخلي”، مشيرا إلى أن “التماهي التونسي مع الأطروحات الجزائرية لا يخدم المصالح القومية لتونس، وسيضر بوضعها وصورتها على المستويين المغاربي والإفريقي”.
وأكد الباحث ذاته أن “النظام الجزائري يضغط على صانع القرار التونسي من أجل تبني مواقف أكثر راديكالية تجاه المملكة المغربية”، مشددا على أن “تونس ارتكبت أخطاء استراتيجية ستدفع ثمنها على المديين المتوسط والبعيد، لأن تعويلها على الجزائر لا يمكن أن يفيدها في شيء، خاصة وأن الدولة الجزائرية اليوم تعاني من عزلة في محيطها الإقليمي وتربطها علاقات متوترة بدول الجوار، في حين إن المغرب أصبح رقما صعبا في إفريقيا ومقصدا لكل الفاعلين الدوليين”.
وخلص عطيف إلى أن “الدولة التونسية عليها أن تستخلص العبر ولا تحكم على نفسها بالانزواء والانعزال على الطريقة الجزائرية، أو السماح باختراق قرارها السيادي من طرف النظام الجزائري”، مسجلا أن “التحولات التي تشهدها قضية الصحراء اليوم تفرض على تونس الحسم في مواقفها وتغليب مصلحتها القومية والعمل على إعادة نسج تحالفاتها الاستراتيجية تماشيا مع مصالحها القومية المستدامة، وليس على أساس مصالح ظرفية أو عابرة”.
أخطاء دبلوماسية وفشل رئاسي
من جهته، أوضح محمد الأسعد عبيد، حقوقي تونسي، أن “سنتين مرتا على الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس بدون أن تكون هناك أي محاولات لتصحيح الأخطاء المرتكبة”، مؤكدا أن “الرئيس قيس سعيد ليس من ذلك النوع الذي يمكن أن يخطو خطوة في هذا الاتجاه؛ لأنه لا يملك أي رؤية سياسة أو دبلوماسية بشأن العلاقات مع الدول المغاربية”.
وسجل المصرح لجريدة تشاش تفي الإلكترونية أن “إصلاح العلاقات المغربية التونسية في ظل حكم الرئيس الحالي أمر مستبعد جدا”، مضيفا أن “قيس سعيد الذي وصل إلى السلطة نتيجة خطأ سياسي من طرف الأحزاب، فشل على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية وكذا تلك المتعلقة بتدبير وإدارة علاقات الدولة التونسية مع دول الجوار، على رأسها المغرب”.
وخلص الفاعل الحقوقي التونسي ذاته إلى أن “إعادة علاقات تونس والرباط إلى سابق عهدها يتطلب وصول رئيس جديد إلى السلطة، لأن إعادة انتخاب سعيد على رأس قصر قرطاج لولاية ثانية ستشكل أكبر كارثة ستحل على التونسيين وعلى العلاقات الخارجية للدولة التونسية وعلى سمعة وصورة هذه الأخيرة”.