تخوّف أكاديميون مغاربة من الممارسات التي تنتظر مغاربة خلال ذكرى المولد النبوي التي تفصلنا عنها أيام معدودة، خصوصا “السلوكات غير السويّة” المرتبطة بالإقبال على مواسم السحر والشعوذة لـ”الصرع وإزالة سحر آخر أو لطرد النحس ونسف مفعول العين الشريرة أو لتسريع قدر الزواج والإنجاب” وغيرها من الأفعال المرتبطة بالخرافة التي تشكل وفق الباحثين “أجوبة ساذجة عن معنى الحقيقة”.
الباحثون، الذين فككوا هذه الأزرار، قالوا إن “اللجوء إلى السحر موجود في مختلف المجتمعات الشبيهة بمجتمعنا؛ لكنها تضع الإيمان بوحدانية الله في خانة السؤال، على اعتبار أن هذه المعتقدات الخاطئة توهم المسلّمين بجدواها بأنها ستساهم في مشيئة الله المحسومة”، منبهين قراء تشاش تفي إلى “أهمية الدعاء باعتباره وسيلة سليمة ونظيفة تكرس ضعف الإنسان، وأنه من الصعب أن يستغني عن ما هو غيبي.. لكنها علاقة مع الغيب مؤطرة بشكل لا يضرّ بشروط الإيمان”، بتعبيرهم.
“تدخل في مشيئة الله”
محسن بنزاكور، متخصص في علم النفس الاجتماعي، تأسف لاستمرار هذه التمثلات المجتمعية التي ما زالت تشعر بأن الخرافة هي جواب يُروّض، بالفعل، مسار واقع كاسح يسير وفق منطق صارم لا يمكن الاعتماد فيه على ما تتيحه الشعوذة أو السحر.
وشدد المتخصص في علم النفس الاجتماعي على أن هذا التفكير من الصعب اقتلاعه لكونه يرتبط بالمخيل الشعبي الذي يلجأ عادة إلى المسائل السهلة والبسيطة للفهم، كأن ينتظر ذكرى المولد النبوي أو ليلة القدر أو عاشوراء للقيام بسلوكات تتعارض مع شرط الإيمان.
وقال بنزاكور، ضمن تصريحه لتشاش تفي، إن هذه المناسبات الدينية تعدّ “نفيسة وثمينة” بالنسبة لمروجي الشعوذة والسحر، الذين يتخذونها وسيلة للكسب التجاري والاقتصادي؛ ولذلك يستثمرون في هذا الترابط بين اللحظات الدينية والقابلية لوضع نبات السحر ليجنيه جزء مهم من العامة، معتبرا أن هناك إيمانا بأن لحظة زمنية روحية سوف تتحقق فيها أشياء بوصف اللحظة ترتبط بالعالم العلوي والغيبي، وهنا تبدأ الكرامات والخوارق بالاشتغال داخل المخيال.
ووضّح المتحدث سالف الذكر أن السلوكات المماثلة تضعنا أمام تناقض حاد بين الإيمان بالله ووحدانيته وأن الله كل شيء بإرادته ومشيئته وبين الإيمان الشعوذي الذي يعتبر أن المشيئة الإلهية ستستجيب للرغبات السحرية والخرافية والشعوذية، مسجلا أنه عندما يجمع الإنسان بين النقيضين في تفكيره يصبح مع الأسف المرور إلى الفعل سهلا؛ وهو اللجوء إلى الشعوذة عمليا وليس فقط التسليم بمفعولها نظريا”، وزاد: “هناك أناس أذكياء يستغلون هذه العقول بالمعنى الاقتصادي”.
وفي هذا الصدد، قال المتخصص في علم النفس الاجتماعي إنه “لا يمكن فهم استمرار الشعوذة بدون هذا البعد التجاري؛ فهذه الطقوس هناك مستفيد منها ماليا، على اعتبار أن هذه الممارسات تدرّ أموالا سخيّة”، مشددا على أن القضاء على هذا التفكير صعب، بما أن هناك إدمانا وهناك معتقدا؛ من ثمّ، لا يُعتبر التحسيس وسيلة كافية لتغيير السلوك، فنحن نحتاج أجيالا أخرى تربت على نقد هذه الأفكار. وهذه الأجيال من المنتظر أن تحمل لنا أملا بنفاد المخزون الخرافي الذي يعيش داخل المجتمع، وبلا رجعة.
الدعاء شرعي
خالد التوزاني، باحث في الحقل الديني رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، قال إن “طقوس السحر والشعوذة من بقايا المعتقدات القديمة جدا في المغرب، بعضها يرجع إلى حقبة ما قبل الإسلام. والملاحظ أن هذه الطقوس قد بدأت في التراجع خلال العقود الأخيرة بسبب تزايد الوعي وارتفاع نسبة التعليم في صفوف المغاربة، ومع عناية الدولة بالشأن الديني من حيث التأطير والإرشاد، والحضور في الإعلام، وبذلك انقرضت الكثير من المعتقدات القديمة”.
وسجل التوزاني، ضمن تصريحه لتشاش تفي، وجود “فئة من المغاربة بقيت تميل إلى بعض الطقوس، وخاصة لحل مشكلات عجز العلم عن إيجاد حلول لها؛ مثل بعض الأمراض المزمنة والخطيرة، وبعض الأمراض النفسية، حيث يحاول أصحابها تجربة حلول سحرية ومعتقدات غريبة”.
ووضح الباحث في الحقل الديني أن “ما يزيد هذه الظاهرة انتشارا هو وجود فئة من الذين يستغلون ضعف هذه الفئة الاجتماعية وحاجتها إلى العلاج وإيجاد حلول لمشاكلها، فيستغلون مواقع التواصل الاجتماعي في التعريف بخدماتهم وقدراتهم الخارقة في حل كل المشاكل وعلاج جميع الأمراض”.
وأشار المتحدث إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، من خلال مجالسها العلمية المنتشرة في جميع ربوع المملكة، من أجل توجيه الناس إلى السبل الشرعية في التعامل مع المشاكل والظروف والأزمات؛ عبر الالتجاء إلى الله بالدعاء وتفريج الكربات”.
وأبرز رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي أن هذا “ما تركز عليه مناسبة المولد النبوي الشريف في المغرب، حيث الإكثار من قراءة قصائد المديح النبوي التي تعد تفريجا للأزمات وتثبيتا للقلوب وربطها بالنموذج النبوي في هديه وسيرته؛ ما يجعل الإيمان قويا ويفتح بابا لتزكية النفوس”.
ودعا الباحث في الحقل الديني إلى “تكثيف حملات المراقبة التي تقوم بها السلطات المحلية، لمحاربة هذه الظواهر التي تمس العقيدة وتضر بالثوابت الدينية للمملكة”، مشددا على أن “الغالبية العظمى من المغاربة مؤمنون بالغيب باعتباره أحد أركان الإيمان، ويستنكرون عادة أعمال السحر والشعوذة؛ غير أن ما جعل هذه الظواهر تطفو على السطح مؤخرا هو هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي وسرعة تبادل الأخبار والمعلومات، وتحديدا تلك المرتبطة بالترويج لهذه الممارسات والتسويق لها”.