مازالت محاولة الهجرة الجماعية التي أقدم عليها مئات القاصرين، نهاية الأسبوع المنصرم، بالفنيدق تشغل الرأي العام الوطني والمحلي، وذلك بعدما تمكنت السلطات بالمدينة الواقعة أقصى شمال البلاد من توقيف أزيد من 800 من المرشحين للهجرة السرية من جنسيات مختلفة.
وأثارت الواقعة جملة من التساؤلات حول الدوافع والأسباب التي تقف وراء الرغبة التي تتملك المئات من الشباب والقاصرين بالمنطقة في الهجرة، مستغلين الظروف الطبيعية، خاصة الضباب الكثيف، للعبور نحو سبتة المحتلة.
وبدا لافتا أن القاصرين الذي جرى توقيفهم من قبل السلطات بالفنيدق، تم تسليمهم لعائلاتهم بعد توقيع أوليائهم التزاما خطيا بتحمل التبعات القانونية في حالة عودة أبنائهم القصر إلى محاولة الهجرة السرية مرة أخرى.
وحصد التعامل الذي واجهت به السلطات المغربية محاولات الهجرة من أراضيها نحو الثغر المحتل، إشادة كبيرة من نظيرتها الإسبانية، التي لطالما أمطرت الرباط بعبارات الشكر والثناء على تعاونها وتعاملها الحازم والحاسم في ملف الهجرة.
التأطير الاجتماعي
عبد الفتاح الزين، خبير مختص في قضايا الهجرة والمهاجرين، استغرب محاولات الهجرة الجماعية للقاصرين بهذا الحجم، معتبرا أن ما وقع يطرح “سؤالا كبيرا حول الموضوع وأسبابه”.
وتساءل الزين، في حديث مع جريدة تشاش تفي الإلكترونية، حول طبيعة ما وقع، قائلا: “هل كنا أمام واقعة هجرة أطفال لا يدركون أنهم يقومون بفعل الهجرة أم نوع من التسكع العالمي؟”، مؤكدا أن هذا النوع من الهجرة يكون مدفوعا بـ”الهشاشة ويحدث في ظل التوترات الاجتماعية الكبرى التي عاشها العالم”.
وسجل الخبير ذاته أن “المقاربة الأمنية وإن كانت ضرورية إلا أنها ليست كافية”، داعيا إلى “البحث عن الأسباب في مقاربات أخرى؛ لأن المقاربة الأمنية والقانونية تبقى ردعية وزجرية ولا تستعمل في إطار التأطير الاجتماعي”، مشددا على أن “الحكومة في حاجة إلى اعتماد سياسات من الجيل الجديد”.
ولم يستبعد الزين وجود ما سماها “أيادي خفية أو هيئات” تحرك حبال الهجرة، مبرزا أن هذه الهبة الكبيرة للقاصرين والشباب تبعث على التساؤل، خصوصا مع “تزامنها والنقاش الدائر بين المغرب وإسبانيا حول التدبير المشترك لسبتة ومليلية والمناطق الأخرى”.
وأضاف: “علنا ألا نكتفي بمتابعة الدخان الذي تتصاعد أعمدته، بل أن نعرف مسببات النار”، مشيرا إلى أن الجانب الثقافي مهم والنقاش حول هذا الملف يؤدي إلى “تأجيج الرأي العام وتحريكه”، مؤكدا ضرورة استحضار هذه الفرضية حتى وإن كانت “المعطيات لم تكتمل بعد للخروج بقراءة موضوعية ومتكاملة لما جرى”.
وزاد موضحا: “لا أستبعد أن الواقعة تحركها أياد خفية تسعى لتخريب ما يجري الحديث عنه من تدبير مشترك لسبتة ومليلية والمناطق المتنازع عليها بين المغرب وإسبانيا”، وفق تعبيره.
المقاربة الأمنية لا تكفي
من جهته، يرى الخبير في شؤون الهجرة خالد مونة أن المقاربة الأمنية للموضوع غير كافية، معتبرا أن إقبال أطفال قاصرين، يفترض أنهم يستعدون للدخول المدرسي بعد أيام، على “الحريك”، يسائل السياسات العمومية والحكومية في البلاد.
وأفاد مونة، ضمن تصريح لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، بأن الإجابة الأمنية “غير كافية ولن تجيب عن سؤال الهجرة، لأن بعض الأسر هي التي ترسل أطفالها إلى الهجرة سباحة نحو سبتة المحتلة، لأنها ترى أن العناية التي سيحظون بها في أماكن اللجوء أفضل من الوضع الاجتماعي في المغرب”.
وشدد الخبير في شؤون الهجرة على أن هذا الوضع يمثل “مساءلة حقيقية للحكومة وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية”، معتبرا أن توقيف مئات القاصرين والأطفال بالفنيدق وإلزام الأسر وآباء القاصرين على توقيع التزامات بعدم تكرار محاولات الهجرة، “دليل على فشل السياسات العمومية المتبعة”.
وأشار إلى أن التعقيدات التي تواجه السلطات الإسبانية في عملية طرد وإعادة القاصرين إلى المغرب، تشجع الأسر المتواجدة شمال البلاد على دفع أبنائها القاصرين للهجرة، معتبرا أن هذا الأمر يسيء لصورة البلاد.
وأكد مونة أن الإشادة التي يتلقاها المغرب من طرف إسبانيا على تدخلاته والتزامه في مجال مكافحة الهجرة، “تحصيل حاصل، لأن الروابط التي تجمع بين البلدين وجودية وتجعل الطرفين في حاجة إلى بعضهما بعض”، لافتا إلى أهمية العمل على معالجة الأسباب والدوافع التي تغذي الهجرة وتجعلها هدفا للقاصرين.