بإيقاعات مغربية أندلسية إسبانية، اختُتمت الدورة الأولى من “الملتقى الدولي للموسيقى المغربية الأندلسية”، الذي نظمه “المعهد الأكاديمي للفنون” و”كرسي الأندلس” التابعان لأكاديمية المملكة المغربية، بشراكة مع سفارة إسبانيا بالمغرب.
وجرت فعاليات الاختتام في المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، التابع للأكاديمية، بعد سلسلة من الموائد المستديرة التي ناقشت واقع وآفاق الموسيقى التقليدية في العالم، وسبل الحفاظ على الغناء المغربي الأندلسي، ومستقبل صناعة الآلات الموسيقية التقليدية. كما شهد الملتقى ورشات يومية جمعت عشرات الطلبة المهتمين بالموسيقى وأساتذة الفنون، حيث تناولت موضوعات مثل صناعة الآلات الموسيقية، والغناء، والإيقاع، وتقنيات العزف.
وتضمنت هذه الدورة أيضًا معرضًا احتفى بالآلات الموسيقية وصنّاعها التقليديين المغاربة، حيث تم عرض آلات مغربية، ومغاربية، وشرق أوسطية، وأوروبية، من بينها نماذج صُمِّمت خصيصًا للمعرض بناءً على منمنمات تاريخية، أو استنادًا إلى تصورات علمية إحيائية، مثل إعادة إنتاج عود الرمَل، الذي اختفى من التشكيلة الموسيقية المغربية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، في إطار جهود لإعادته إلى بيئته الأصلية.
وفي تصريح لجريدة تشاش تفي الإلكترونية، قال عمر المتيوي، منسق الملتقى الدولي الأول للموسيقى المغربية الأندلسية: “هذه الأيام الدراسية والفنية والتعليمية تختتم بحفل بهيج نقطف فيه ثمار ما قدّمناه لهؤلاء الطلبة، من خلال عرض فني بديع. يتوافد علينا طلبة من مختلف المعاهد الموسيقية بالمغرب، وهذا حدث نوعي في حد ذاته”.
وأضاف: “تطرقت العروض إلى الآلات التي صُنعت خصيصًا لأكاديمية المملكة المغربية، بالإضافة إلى مادة علمية تناولت الأوضاع والأوزان والمقاييس الموسيقية، ودور الهيتيروفونيا في الموسيقى الأندلسية المغربية. كما ناقشنا دور الغناء وتاريخه، وأساليب الحفاظ عليه، والتسجيلات المتوفرة، وأنماط التلقين، وذلك بحضور أساتذة كبار مثل محمود قطاط من تونس، الذي يُعد الأب الروحي للبحث العلمي الجاد في هذا المجال، وعبد المجيد بنعبد الجليل من المغرب، المتعمق في دراسة تاريخ الموسيقى، ورينالدو فيرنانديز مانزانو، مدير مركز التوثيق بغرناطة، إضافة إلى كارل دافيلا القادم من الولايات المتحدة، الذي يعمل على استعادة هيكل النوبة عبر الوثائق والقضايا التاريخية بطريقة علمية”.
وحول المزج بين إيقاعات ضفتي البحر المتوسط، أوضح المتيوي لـ تشاش تفي أن هذا النهج “يعكس اهتمامًا بالأنماط الموسيقية المتقاربة”، مشيرًا إلى أن المغرب يتقاسم مع إسبانيا، وجنوب فرنسا، وجنوب إيطاليا تاريخًا موسيقيًا مشتركًا منذ القرن الثالث عشر. وأضاف: “في ذلك العصر، إذا أراد موسيقي من هذه الأقطار تعلم الموسيقى، كان عليه أولًا تعلم اللغة العربية، ثم السفر إلى إشبيلية أو قرطبة أو غرناطة لاكتساب المعرفة الموسيقية. وكان هؤلاء الموسيقيون من نقلوا هذه الفنون إلى مختلف أنحاء أوروبا، إلى جانب آلاتها وأنماطها الشعرية وأغراضها الدنيوية والدينية”.
وتابع المتيوي موضحًا أن “هذا التمازج الموسيقي كان حاضرًا في جنوب أوروبا بين العدوتين، كما كان في صقلية التي مثلت بوابة للشرق. هاتان المنطقتان شكلتا جسورًا لنقل الفكر الإسلامي العربي إلى أوروبا. ولا ننسى أنه بعد سقوط غرناطة، هاجر عدد كبير من الموريسكيين إلى تركيا وأمريكا، وهو ما يفسر التقارب الموسيقي بين المغرب وأمريكا اللاتينية. وقد جاءنا الباحث ميشيل الزعفراني، وهو من أصول مغربية وعاش في أمريكا، بفكرة مفادها أن العديد من الإيقاعات الإفريقية المنتشرة حاليًا في أمريكا، خصوصًا في موسيقى البلوز والجاز، لها ارتباط بالإيقاعات المغربية، وخاصة ميزان البطايحي”.
واختتم المتيوي حديثه بالإشارة إلى أن الحفلات المنظمة خلال الأيام الثلاثة للملتقى الدولي الأول للموسيقى المغربية الأندلسية جاءت في إطار السعي إلى “مزج الأوزان الموسيقية المتناغمة”، موضحًا أن “الحضارة الأندلسية تشكلت بمساهمة الأمازيغ والأفارقة والمغاربة في شبه الجزيرة الإيبيرية، ولا تزال بعض نكهاتها الموسيقية موجودة هناك، تعود إلينا اليوم بصيغ جديدة، ونسعى إلى الاستفادة منها والتفاعل معها”.