خرجت دراسة ميدانية حديثة بخلاصات “مثيرة” تدّعي بأنه وفقاً “للتقاليد والعادات في بعض المجتمعات، ومنها المغرب، يُنظر إلى الزواج المبكر كوسيلة للحفاظ على شرف الفتاة وأسرتها”، مبرزة أن “63 بالمائة من أمهات القاصرات المعنيات بزواج بناتهن تزوجن بدورهن في عمر 15 سنة، و11 بالمائة من هاته الأمهات أصبحن جدات وسنهن لا تتجاوز 34 سنة”.
وأشارت الدراسة، المنشورة بمجلة “الدراسات الإفريقية وحوض النيل”، الصادرة عن المركز الديمقراطي العربي، إلى أن “معظم الفتيات المتزوجات في سن مبكرة فقيرات، وأقل تعليما مثلما هو عليه الحال في عدد من دول العالم، دون نسيان أن زواج القاصر يمكن أن يكون وسيلة لتخفيف العبء المالي عن معظم العائلات”، مسجلة أن “إقبال الفتيات على الزواج في هذه السن تفسره عوامل مختلفة، في مقدمتها الانقطاع عن التمدرس”.
وبينت الدراسة، التي أعدها فريق بحثي مكون من فاطمة الزهراء الخلوقي وهدى قصطال إلى جانب إبراهيم حمداوي، أن “الانقطاع عن الدراسة يشكّل بوابة رئيسية لزواج القاصرات”، موضحةً أن “77.8 بالمائة من القاصرات اللواتي أقدمن على الزواج لم يتجاوز تعليمهن المستوى الابتدائي”، قبل أن تضيف “لم يكن الانقطاع عن التمدرس العامل الوحيد والمباشر، بل هناك عوامل أخرى أملتها ظروف متعددة”.
كما خلص التقرير الميداني إلى أن “زواج القاصر يتم أساساً بعد الانقطاع عن الدراسة، وتحكمه مجموعة من الأسباب؛ إذ صرحت 38.8 بالمائة من القاصرات أن الرغبة في الاستقرار وتكوين أسرة هو السبب الأساسي في الإقبال على الزواج، وأن بيت الآباء لا يشكل سوى مرحلة عبور، وأن بيت الزوجية هو البيت الدائم، وفيه تتحقق الأهداف، وخاصة الأهداف الاجتماعية التي تعد هي الأساس بالنسبة لهن”. كما أن “الانقطاع عن الدراسة بالنسبة لـ22.2 بالمائة فسح لهن المجال للتوجه إلى خيار الزواج”.
ومن العوامل الأخرى المفسرة لطلب الزواج، وفق المنجز البحثي، يوجد “الحب ورغبة الفتيات في تحقيق الحرية التي يضمنها حسب تصوراتهن الزواج وذلك بنسبة 16.7 بالمائة لكل منهما”. وقال الباحثون إن “إقبال 5.6 بالمائة على الزواج دون معرفة السبب الرئيسي يشكل خطرا كبيرا على القاصرات، حيث قد تظهر بعده بعض المشاكل التي تهدد استقرارهن ومستقبلهن كزوجات أو مطلقات أو أمهات مطلقات”.
وسجل فريق البحث الصادر في مجلة دورية علمية محكمة أن “تصريح الفتيات القاصرات بهذه العوامل بشكل علني عكس ما كان عليه الوضع سابقا (الحشومة)، أفرزته التغيرات المجتمعية في الوسط القروي المرتبطة بالتحولات العامة التي يعرفها المغرب، والتي ساهم فيها بشكل كبير مدّ الطرق وفك العزلة عن الأرياف، وإدخال الكهرباء، وأجهزة التلفاز، والانتشار الواسع لأجهزة الهاتف النقال المصحوب بشبكة الأنترنيت”.
وبخصوص الكيفية التي استخدمت وتسببت في موافقة الفتيات القاصرات على الزواج، تبين الدراسة أنه “إذا كان حصول الزواج عبر جسر العائلة أو وساطة الجيران يبدو عاديا ومتعارفا عليه في الثقافة المغربية، فإن الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة لـ 16.7 بالمائة من الحالات المدروسة بإقليم الرحامنة بات يحمل دلالات كثيرة تظهر من خلالها التحولات العامة في هاته الأرياف، على غرار ما يقع في باقي مناطق المغرب وفي مختلف أنحاء العالم”.
وتابع معدو الدراسة، الموسومة بـ”زواج القاصر في الوسط القروي المغربي.. إرادة المجتمع وإكراه القانون (إقليم الرحامنة نموذجا)”، أنه “بات بإمكان عدد مهم من القرويات بهاته الأرياف حرية اختيار شريك حياتهن، وهو واقع اجتماعي جديد، إذ لم يعد إجبار الفتيات على الزواج وسيلة معمولاً بها”. كما أن “آباء جميع الفتيات القاصرات صرحوا أن بناتهن اخترن الزواج والزوج بإرادتهن ورغبتهن. هذا يعني أن مجموعة من مضامين الموروث الثقافي المرتبط بالزواج من قبيل الحشمة، والحياء، والعيب، والاعتراف بالرغبة في الزواج، والبوح به أمام الآباء والإخوة الذكور قد تراجعت”.
وبحكم وجود “زواج 44.5 بالمائة من الفتيات القاصرات اعتمادا على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي أو الصدفة أو التعارف”، فقد كان هذا بالنسبة لفريق البحث “دليلاً واضحاً على تغير ثقافة الزواج في الوسط القروي المغربي”، كما اعتُبر مؤشراً على “تأثير هاته الوسائل في الثقافة المحلية وعلى كل ميادين الحياة”. وأضاف أن “ما يزكّي هذا التغير الثقافي أن نفس النسبة من الفتيات صرحن أن زواجهن تمّ بعد تعارف مع أزواجهم على مدار زمني لم تقل مدته عن سنة”.
في السياق ذاته، وجدت المهمة الميدانية أن “نسبة كبيرة من باقي القاصرات (العينة) تعرفن على أزواجهن منذ مدة زمنية مهمة، وانتظرن الوصول إلى سن 17 سنة لتقديم طلب الزواج الشرعي للقاضي”، مبرزة أن “من العوامل المهمة والمسؤولة عن حدوث زواج القاصرات نجد معتقد التخوف من السقوط في العنوسة كموروث ثقافي”، وكل هذا يثبت أن “زواج الفتيات القاصرات هو بمثابة مشكلة متجذرة في المجتمعات القروية”.