في جديد ما يسمى “حرب الأرقام الصامتة” بين المندوبية السامية للتخطيط والحكومات المتعاقبة، كشف المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي العلمي، عن “طلب جميع رؤساء الحكومات من الملك أن يقوم بإعفائه، باستثناء عباس الفاسي”، مخلّفا بذلك تساؤلات عن “طبيعة هذه الحرب، ولماذا لم يلبّ الملك هذه الطلبات المتكرّرة؟”.
جاء هذا في ندوة حول الإحصاء العام للسكان والسكنى المقرّر انطلاقه يوم الأحد القادم، عقدها الحليمي أمس الخميس، وذلك في إطار ردّه غير المباشر على شكاية عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، من “إقصاء منتمين للبيجيدي من المشاركة في هذا الاستحقاق الوطني”.
وتحدّث المندوب السامي للتخطيط عن معادلة الإشادة والانتقاد التي يتعرّض لها من زعماء الأحزاب السياسية بين تولّيهم قيادة الحكومة وعودتهم إلى ركن المعارضة.
وفي فترة حكومتي عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، كانت أرقام الحليمي حول البطالة والنمو… عرضة للانتقاد دائما من وزراء الصناعة والتجارة، وهو الحال بالنسبة لحكومة أخنوش الحالية.
ويرى محمد شقير، محلل سياسي، أن “هذا الصراع القديم سيبقى مستمرا، والتوافق حول المناهج والاستراتيجيات غائب بين الحكومة ومندوبية الحليمي”، مشكّكا في “قدرة رؤساء الحكومة على اللجوء إلى الملك للتخلص منه”.
وأضاف شقير، في تصريح لتشاش تفي، أن ما صرّح به الحليمي “يجب أن يبقى ضمن قوسين، وأن يحظى بالمزيد من التحفّظ، وأن يراعي سنّه المتقدّمة”، مبيّنا أن “ما كشفه أمس يصعب تقبّله، ويبقى رأيه الشخصي، خاصة وأن لا رئيس حكومة يرجّح أنه يستطيع أن يطلب الملك إعفاء شخص قام بتعيينه ويحظى بمنصب سام”، وفق تعبيره.
وأورد المتحدث عينه أن الأرقام حول البطالة والنمو، وغيرها من المواضيع التي تخلّف الكثير من النقاش، تعتمد فيها المندوبية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، على فرضيات أو منهجيات مختلفة، مبيّنا أن “الأرقام والنتائج بكل تأكيد ستكون مختلفة”.
وأوضح المحلل السياسي ذاته أن كل حكومة “تسعى للحفاظ على أرقامها أمام الرأي العام، لأن تولّيها المسؤولية لا يعني توقّف حملتها الانتخابية، ويجب أن تسعى لحصد حصيلة مشرّفة قبل موعد الانتخابات القادمة”، لافتا إلى أن “المندوبية السامية للتخطيط أو بنك المغرب لا يعيشان هذا الضغط الذي تعرفه الحكومات، وبه يكون الجدل حول الأرقام دائما مستمرا”.
وحول أسباب عدم تلبية الملك لطلبات رؤساء الحكومة بإقالة الحليمي، حسب رواية المندوب السامي للتخطيط، شدّد سقير على أن “هذا الأمر مشكوك في صحته، ويلزم الحليمي نفسه، طالما أن هذه الخطوة مستبعد أن يقوم بها رئيس الحكومة”.
وعلى المستوى الاقتصادي، اعتبر عبد الخالق التهامي، باحث في الاقتصاد أستاذ بكلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد السادس، أن “نقاش صحّة الأرقام يوجد في دول العالم وليس في المغرب فقط”.
وأضاف التهامي، في تصريح لتشاش تفي، أن أقرب مثال هو الانتخابات الأمريكية حيث “الديمقراطيون والجمهوريون يروّجون لأرقام مختلفة حول نسب البطالة والنمو وغيرها، خصوصا في الأربع سنوات”، مبيّنا أن “معاينة أرقام المندوبية السامية للتخطيط، ومن جهة أخرى أرقام الحكومة، حول السنوات التي مضت، يجب أن لا يتم التشكيك فيها، لأنها مبنية على معطيات مشاهدة سلفا. أما في السنوات القادمة، فهو أمر لا يمكن أن يطلق عليه أنه صحيح طالما هو مبني على افتراضات وإسقاطات”.
واعتبر أستاذ الحكامة أن “هذه الأرقام لا يجب أن تسيّس، بقدر ما يفترض الرهان حول الإجراءات التي يجب اتخاذها لإصلاح الوضع”، معتبرا أن “الاختلاف بين الحكومة والمندوبية لا يجب أن يكون محور النقاش، خاصة وأنه بدون نتائج ملموسة”.
وأورد المتحدث عينه أن “الاختلاف وارد طالما أن المناهج وطرق الاستنتاج المعتمدة ليس هي نفسها بين الحكومة والمندوبية”، لافتا إلى أن “التشكيك في كلا الأرقام حول السنوات الماضية هو المشكل، أما المستقبل فالاختلاف وارد بحكم مفهوم الفرضيات”.